تقليل معدلات تغير المناخ + زيادة إنتاج الطاقة لتلبية حاجات البشر المتعددة والمتزايدة = مستقبلاً أفضل للعالم. معادلةُ كانت صعبةً للغاية، أو هكذا بدت قبل الدورة الأخيرة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ «كوب-28». ولكنها غدت سهلةَ ومُيَّسرةً في ضوء اتفاق الإمارات التاريخي والنتائج التي يُتوقع أن تترتب على الالتزام به.
يُتوقعُ تأسيساً على هذا الاتفاق أن يحدث تقدمُ تدريجي ومطرد نحو التحول عن الوقود الأحفوري بمصادره الثلاثة (الفحم والنفط والغاز)، ولكن ليس بمعدلاتٍ متساويةٍ لأن النص الوارد في الاتفاق يتضمن أيضاً أن يكون هذا التحول بطريقة عادلة ومُنظَّمة ومُنصفة. 
يُستخدم الوقود الأحفوري حتى الآن في تلبية 80% أو أكثر قليلاً من حاجات البشر في العالم إلى الطاقة. والمتوقع أن يقل استخدامه بحلول عام 2050 إلى نحو 65%، وربما إلى ما بين 40 و45% حسب تقديرات بعض المُتعجلين أو المتفائلين حال التغاضي عن الاعتبارات الواقعية. ولكن سيكونُ للفحم نصيبُ أكبر في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري بوصفه الأكثر إسهاماً في تغير المناخ. فقد نُظر إلى الفحم في اتفاق الإمارات بطريقةٍ مختلفةٍ عن النفط والغاز، إذ نُص على (التخلص التدريجي من الفحم بلا هوادة)، بما يعني أن مفهوم «التحول عن» الذي يحملُ معنى التقليل بحذرٍ يقتصرُ على النفط والغاز.
وهذا منطقي وطبيعي، فإلى جانب أن مسؤولية الفحم عن احترار الأرض أكبر، يوجد فرقان مهمان آخران. الأول أن الانبعاثات الناتجة من استخدام النفط والغاز ستقلُ بشكلٍ مُطردٍ مع التقدم الحاصل والمتزايد في تقنيات احتجاز ثاني أُكسيد الكربون. والثاني أن التحول عن النفط والغاز يجب أن يرتبط بضمان عدم حدوث أزمة طاقة تفوقُ قدرة الاقتصاد العالمي على تحملها بكل ما لها من عواقب خطيرة. ويتوقف التقدمُ في التخلص التدريجي من الفحم بلا هوادة على ثلاث دولٍ هي الصين والهند وأميركا، لأن إجمالي استخدامها للفحم في إنتاج الكهرباء يزيد على 70% على المستوى العالمي. 
وفي المقابل يُتوقع، أو يُفترض، أن يزداد إنتاج الطاقات المتجددة النظيفة والمُستدامة إلى ما بين 25 و30%، والطاقة الذرية إلى ما بين 7 و10%. وهذا نذيرُ خيرٍ لأن هذه الطاقات تُسهمُ، مع الوقود الأحفوري، في تلبية حاجات الأجيال الحالية من دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة في الإضاءة والتبريد والتدفئة وتشغيل الاقتصاد بقطاعاته كلها. ومازالت الشمس والرياح والماء أهم مصادر الطاقة المتجددة والمُستدامة في آن معاً، ويُتوقع أن يكون لهما النصيب الأكبر في الزيادة المُتوقعة في استخدام هذا النوع من الطاقة حتى 2050. ولكن تقدماً يُتوقع حدوثه أيضاً في تقنيات إنتاج الطاقة البيوحرارية في المناطق شديدة الحرارة التي يختزنُ جوف الأرض فيها حرارة زائدة.
وفي كل الأحوال، يجوز القول إن عالم ما بعد كوب-28 يختلفُ عما قبله على صعيد الطاقة وكل ما يتعلقُ بها، وما أكثرُه. 

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية