بينما تتجه الهند نحو الانتخابات العامة المقررة في غضون ستة أشهر، يخوض رئيس الوزراء مودي حملة لإعادة انتخابه والفوز بولاية ثالثة على التوالي في السلطة. ومن بين القضايا العديدة التي يستعد الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة لخوضها على المستوى الفيدرالي، هناك قضية التضخم الشائكة. فإدراكاً منها للوضع الصعب، اتخذت الحكومة سلسلة من التدابير، مثل حظر تصدير الأرز وفرض قيود على تصدير السُكر، من أجل كبح التضخم الذي أخذ يصبح قضية رئيسية. وهذا الشهر، حظرت الحكومة الهندية صادرات البصل لمدة خمسة أشهر، في حين سمحت باستيراد البازلاء الصفراء معفاة من الرسوم الجمركية، ضمن جهود متواصلة لتحقيق استقرار أسعار المواد الغذائية خلال الفترة التي تسبق الانتخابات العامة.
وإذا كان تضخم أسعار المواد الغذائية لم يتحول بعد إلى قضية سياسية، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يُعد مصدر قلق رئيسياً في السياسة الهندية، نظراً لأن التضخم في أسعار المواد الغذائية من البقول إلى الحبوب والتوابل ظل مرتفعاً في الأشهر الأخيرة. كما كانت هناك زيادة كبيرة في أسعار السكر والخضار، وذلك لأن إنتاج المحاصيل هذا العام تأثر بأكثر شهر أغسطس جفافاً منذ 1901، مما أدى إلى انخفاض في إنتاج السلع الأساسية من الأرز إلى السكر والقمح بسبب تأخر هطول الأمطار الموسمية وعدم انتظامها جرّاء تأثير ظاهرة «النينيو»، وهو نمط مناخي يؤثر في الزراعة عبر العالم. وقد ظهر تأثيره على إنتاج الأرز. إذ من المتوقع أن تشهد الهند، التي تُعد أكبر مصدِّر للأرز في العالم، انخفاضاً في إنتاج الأرز بنسبة 3.79 في المئة إلى 106.31 مليون طن هذا العام جراء قلة هطول الأمطار، حسبما أعلنت وزارة الزراعة.
كما يُتوقع أن تعرف أسعار العديد من السلع الأساسية الأخرى ارتفاعاً وانخفاضاً نتيجة لمجموعة متنوعة من الأسباب، من انخفاض مستويات خزانات المياه إلى تأخر زراعة المحاصيل مثل البصل. غير أن البصل على وجه الخصوص كانت له تداعيات سياسية كبيرة. ويأتي قرار حظر تصديره بعد ثلاثة أشهر من فرض الحكومة في أغسطس الماضي رسوم تصدير بنسبة 40 في المئة على البصل للحؤول دون ارتفاع الأسعار إلى أكثر من 50 روبية للكيلوغرام الواحد في سوق الجملة. ولكن هذا الشهر، وصل سعر هذه المادة الغذائية الأساسية مرة أخرى إلى 45 روبية للكيلو الواحد في سوق الجملة، أي أكثر من ضعف السعر المعتاد لهذه المادة في مثل هذا الوقت من العام الذي يبدأ فيه عادة وصول المخزون الجديد من البصل.
ومن المعروف أن أسعار البصل تحديداً لها تداعيات سياسية كبيرة. ففي 1998، أسفرت الانتخابات عن نتائج أدت إلى خروج الحكومة التي كان يديرها حزب بهارتيا جاناتا في دلهي من الحكم لأن انتخابات مجلس الولاية تزامنت مع ارتفاع أسعار البصل. ورداً على احتجاجات المزارعين في بعض المناطق، قالت الحكومة في البرلمان إن الأولوية ينبغي أن تكون للمستهلكين الهنود في الحصول على السلع الأساسية بأسعار مناسبة. وعلى غرار القيود السابقة على الأرز والسكر، أثّر حظر البصل على العديد من البلدان الأخرى خارج الهند، التي تُعد ثاني أكبر مصدّر للبصل على مستوى العالم، حيث تضاعفت أسعاره في بنغلاديش، عقب الحظر مباشرة. وفي غضون ذلك، أعلن وزير الزراعة والأمن الغذائي الماليزي أن وزارته تعتزم استيراد البصل من الصين وباكستان لتعويض النقص الناجم عن الحظر الذي فرضته الهند، هذا في حين قالت نيبال إنها ستطلب من الهند تمتيعها باستثناء خاص ومواصلة صادراتها.
وفي قرارات أخرى كانت لها تأثيرات عالمية، حظرت الهند تصدير الأرز الأبيض المكسور وأصناف من غير «البسمتي» في شهر يوليو في قرار أدى، حسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إلى رفع أسعار الأرز العالمية إلى أعلى مستوياتها منذ 15 عاماً. كما مددت حظراً سابقاً على صادرات السكر من أكتوبر 2023 إلى سبتمبر 2024. ولم تسمح سوى بتصدير 6.1 مليون طن من السكر، وهو ما يناهز نصف ما سمحت بتصديره العام الماضي. وعلاوة على ذلك، خفضت حجمَ مخزون القمح الذي يُسمح للتجار وتجار التجزئة بالاحتفاظ به بعد قرار حظر تصدير القمح في أعقاب تقلص المحصول بسبب موجة الحر. 
ونتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية، ارتفع التضخم في شهر نوفمبر إلى أعلى مستوى له منذ ثلاثة أشهر بنسبة 5.55 في المئة، حتى في وقت اعتدلت فيه أسعار السكن وغيره. وظل التقلب في أسعار المواد الغذائية يشكل تحدياً رئيسياً لجهود البنك المركزي الهندي الرامية للحد من التضخم الرئيسي والإبقاء عليه قريباً من الهدف المتمثل في 4 في المئة. كما يُتوقع أن يتجاوز متوسط التضخم الرئيسي 6 في المئة في الربع الثاني من السنة المالية 2024. ويتمثل الحل طويل الأمد في قيام الهند بإصلاحات عميقة في إدارة سلاسل التوريد الخاصة بها، إذ أشار البنك المركزي في مقال حول «حالة الاقتصاد»، نشر في أغسطس 2023، إلى أن صدمات أسعار الخضراوات تتطلب إجراء إصلاحات كبيرة في سلاسل توريد السلع القابلة للتلف. 
لكن هذه إصلاحات طويلة المدى ينبغي القيام بها. ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة، يُتوقع أن تستمر الهند في فرض الحظر والقيود على الأسعار والتصدير مع إيلاء الأولوية للمخاوف المحلية وتقديمها على أي التزامات دولية.


*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي