هل ستكون أحداث هذا العام ساخنة؟ ربما، وبما يفوق ما حدث في السنة الماضية، وخصوصاً ما يتعلق بالكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغيرات المناخية. فاليابانيون استقبلوا عامهم الجديد بزلزال تجاوزت شدته على مقياس ريختر 7.6. ورغم أن اليابان هي إحدى الدول التي تعرف كيف تتعامل مع هذا النوع من الكوارث الطبيعية، إلا أن قوة الزلزال الأخير أصابت اليابانيين بالهلع بعد التحذيرات من خطر تشكّل موجات تسونامي. وهذا الزلزال أعادني للآثار الرهيبة التي نتجت عن زلزالي تركيا وسوريا اللذين وقعا في العام الماضي.
ولا شك في أن الكوارث الطبيعية الناتج بعضها عن التغيرات المناخية تذكّر بأهمية تنفيذ مخرجات مؤتمر «كوب 28» التي تهدف إلى مواجهة آثار الاحتباس الحراري.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بالطبع، فالعديد من مناطق العالم تعيش كوارث من نوع آخر، أي الحروب وتبعاتها، ولعل أبرزها اليوم وأكثرها أهمية ودموية ما يحدث في غزة والضحايا الذين وصلوا إلى نحو مائة ألف فلسطينيي بين قتيل وجريح، فضلاً عن نزوح وتهجير أكثر من مليون فلسطيني من بيوتهم التي تهدمت فسكنوا العراء.
والمنتدى الاستراتيجي العربي الذي عُقد مؤخراً في دبي تحت عنوان «حالة العالم العربي سياسياً واقتصادياً 2024»، بمشاركة نخبة من كبار المسؤولين من مختلف أنحاء العالم وخبراء استراتيجيين، ركز على بحث ودراسة حالة العالم العربي وأوضاعه السياسية والاقتصادية، وقد تم خلاله استعراض المتغيرات الراهنة في العالم وموقع العرب ودورهم فيها. وجلسات المنتدى كانت مهمة نظراً لما تناولته من محاور، ومن بينها جلسة «20 عاماً على غزو العراق.. التداعيات والنتائج» التي استعرض فيها الخبراء التداعيات السياسية ونقاط التحول التي نتجت عن الغزو، فأثّرت كثيراً على العراق والمنطقة العربية ودول الإقليم والعالم.
واللافت أن بعض الخبراء في نقاشاتهم أكدوا أن فرصة تجنيب الشعب العراقي كافة المآسي كان أمراً ممكناً، لكن لم يكن للعراق آنذاك بواكٍ إلا العرب أنفسهم، في حين أن حكومات الغرب كانت قد أعلنت الحرب عليه، وانتهى الأمر به إلى بلد قوته مشتتة وخيراته منهوبة، إلى جانب زهق أرواح أكثر من مليوني شخص من أبنائه فقط، والانهيار الذي شهده الدينار العراقي الذي كان من أغلى العملات في العالم. ولو أن اللحظة استُثمرت كما يجب لما سقطت بغداد بكل بهائها، ولما دُمر بلد بأكمله وحدث فيه ما حدث.
إن استشراف المستقبل من قبل الخبراء أمر مهم للغاية، وهم الذين لا يتوقف دورهم عند دراسة أزمة كبرى قد تحصل، إنما يصل إلى حد وضع خطط وخطط بديلة يمكنها إنقاذ الموقف، وبالتالي تجنب الآثار المدمرة التي قد تترافق مع وجودها. ومع ذلك يتراءى لي أن النظام الدولي عاجز حتى عن القيام بهذا الدور. وبرأيي أن كل الأزمات والحروب التي حدثت منذ منتصف القرن الماضي تقريباً، أي منذ وقوع الحرب العالمية الثانية، لم تتم قراءتها كما يجب، وبالتالي لم تقدم الخطط لمعالجة آثارها كي تكون أقل تأثيراً على البشرية، خصوصاً وأن المتحكم في الصراعات جميعها هو الغرب الذي لم يعد القوة الوحيدة في العالم في ظل ظهور قوى أخرى تنافسه.
وقد يكون المنتدى الاستراتيجي العربي اليوم منصة لها قيمتها في استشراف الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية، خصوصاً وأنه قبل أعوام تنبأ بصعود الصين كقوة مؤثرة في العالم، تقف موقف الند من القطب الأميركي، وهو ما نراه ونعيشه اليوم بعد تنامي دور الصين سياسياً واقتصادياً لدرجة أنها تنافس الغرب في نواحٍ، لكنها تفوقت عليه في نواحٍ أخرى. ولا يختلف اثنان على أن استشراف المستقبل يجعل الرؤية أوضح أمام صناع القرار الذين يستثمرون في الأفكار التي قد تمنع حدوث مشكلة أو تقليص حجم تأثيراتها بأفضل ما يمكن.