كانت مشاركة الإمارات في النسخة الـ54 من دافوس 2024 مميزة من حيث التمثيل والحضور، إذ تجاوز عدد الشخصيات الإماراتية المشاركة فيه 100 شخصية، 80% منهم يمثلون الشركات الوطنية الكبرى ومؤسسات القطاع الخاص. ومشاركة الإمارات في هذا الحدث الاقتصادي العالمي جاءت لتؤكد على ضرورة ترسيخ الدور الريادي لها عالمياً في مختلف مجالات التعاون والشراكة، والارتقاء بتنافسيتها في كافة القطاعات، وتبادل الخبرات الداعمة لاقتصاد وطني وعالمي مستدام، وكل ما يرتبط بتنمية وازدهار ورفاهية الشعوب، وخصوصاً بعد استضافتها قمة «كوب 28» نهاية العام المنصرم.
دافوس 2024 حمل شعار «إعادة بناء الثقة»، وفيه تلاقت النخب السياسية والاقتصادية لمناقشة التحديات التي يواجهها العالم والمخاطر التي قد يواجهها بسبب المتغيرات الأخيرة، مع طرح الحلول الممكنة لها، إلى جانب بناء جسور التفاهم بين الدول وتعزيز التعاون فيما بينها لمساعدة الشعوب في سبيل تخطي التحديات.
وفي هذه النسخة من مؤتمر «دافوس»، توافق حضور الجلسة التي ناقشت تحديات التغيرات المناخية على ضرورة التزام الدول بمخرجات القمة التي استضافتها الإمارات في نهاية عام 2023، خاصة وأنها نجحت في تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء. في حين استعرض وفد حكومة الإمارات في جلسة «تحديد المسار في عالم مجزأ» نموذج الإمارات التنموي والاقتصادي، وهو القائم على تعزيز شراكاتها الدولية، وتبني سياسة دعم الاستقرار والتنمية، ومواكبة التقنيات الرائدة، وفتح الفرص أمام قطاعات الاقتصاد الجديد.
ولا شك أن رؤية الإمارات أحرزت نقلات نوعية على صعيد الاقتصاد الوطني وتعزيز قدرته على النمو رغم الأزمات العالمية، ومن بين ما أنتجته الإمارات، وأبوظبي على وجه التحديد، «اقتصاد الصقر» الذكي الذي يوفر فرصاً تنموية استثنائية في ظل التزام الإمارة بإستراتيجيات التحول نحو الاقتصاد الأخضر المستدام الذي يرسخ موقع أبوظبي الريادي في مجال الحياد المناخي من خلال تعزيز الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة.
إن البيئة الاقتصادية المعقدة التي مر بها العالم على مدار السنوات الثلاث الماضية ستترك أثرها على هذا العام أيضاً نظراً لتعقد الأوضاع الدولية أكثر فأكثر. وبسبب الأحداث الساخنة في أكثر من بقعة حول العالم، فإن نقاشات المنتدى في هذا العام كانت مهمة للغاية نظراً لمواكبتها ما يحدث، ومن بينها ما يجرى في البحر الأحمر وانعكاساته على حركة الملاحة الدولية وتأثيرها المباشر على توفير السلع والمواد الغذائية وارتفاع أسعارها عالمياً، وما يجري في غزة، وكذلك في أوكرانيا وغيرها من المناطق. لكن، هل سيكون العام 2024 فترة التحول إلى أزمة دائمة، أم أنه سيكون وقت الحل والتعافي؟ هذا هو سؤال الموقع الرسمي للمنتدى. وبالطبع الإجابة عند صناع القرار!
إن منتدى دافوس 2024 كان سبباً في طرح حوارات جادة بشأن الأوضاع الراهنة المعقدة، والتعاون والشراكات على صعيد الاقتصاد والمناخ وأمن الطاقة وإدارة التكنولوجيا والتنمية البشرية. وفي الوقت الذي يطرح المنتدى هذا السؤال، تواجه الشركات نمواً متواضعاً، بينما تتصارع الاقتصادات مع أسعار الفائدة المرتفعة والمخاطر السياسية والآثار اللاحقة لكل ما يجري.
ولعل أفضل تعبير ما قاله البروفيسور كلاوس شواب مؤسس ورئيس دافوس قبل بضعة أشهر، حيث قال، إن حياتنا ستتغير بشكل كبير خلال الـ10 سنوات المقبلة، بسبب التطور المتسارع للأحداث العالمية، ولمواجهة ذلك اقترح أن الحكومات يجب أن تكون طموحة في قراراتها، واستشرافية بشكل مؤثر للمستقبل، وقادرة على انتهاز الفرص، خاصة وأننا نواجه عالماً منقسماً، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار حالة من عدم اليقين والتشاؤم، ومن هذا المنطلق يتعين علينا إعادة بناء الثقة من خلال حل الأزمات.