في 2022، كان يبدو أن أمام «الجمهوريين» طريقاً سهلاً لاستعادة البيت الأبيض، دون الحاجة إلى أي مقترحات سياسية حقيقية. وكل ما كان عليهم فعله هو مقارنة سجل دونالد ترامب الاقتصادي- الذي يصفونه بالممتاز- بالاقتصاد المتردي في عهد الرئيس جو بايدن.
والواقع أن تلك النظرة الوردية لاقتصاد ترامب انطوت على الكثير من النسيان الانتقائي - المزيد حول هذا الموضوع بعد قليل. غير أن اقتصاد بايدن عرف بالفعل صعوبات طوال معظم 2022، ومن ذلك تسجيل أعلى معدل تضخم منذ 40 عاماً. كما أن الوظائف كانت وفيرة، إذ اقترب معدل البطالة من أدنى مستوياته منذ 50 عاماً؛ ولكن العديد من الاقتصاديين كانوا يتوقعون ركوداً وشيكاً.
غير أنه منذ ذلك الحين حدث أمران فظيعان – فظيعان من وجهة نظر أنصار الحزب «الجمهوري». الأول هو تعافي الاقتصاد: إذ انخفض التضخم من دون أي ارتفاع كبير في معدلات البطالة. أما الثاني، فهو أن الأميركيين بدأوا أخيراً على ما يبدو ينتبهون إلى الأخبار الجيدة. 
ولكن قبل أن أخوض في ذلك، لنتحدث قليلاً عن ترامب، إذ كيف لبعض الناس الزعم بأن ترامب أشرف على اقتصاد عظيم في حين أنه كان أول رئيس منذ هربرت هوفر يغادر البيت الأبيض، بينما كان عدد الأميركيين العاملين أقل من عددهم عندما وصل إلى الرئاسة؟ 
الجواب عموماً هو أن أنصار ترامب يريدون منا أن نمنحه فرصة جديدة عن 2020، عندما دمّر فيروس كورونا الاقتصاد. ولكن الغريب هو أنهم لا يريدون منح بايدن فرصة مماثلة عن 2021-2022، حينما لعبت الاضطرابات المستمرة بسبب الجائحة دوراً كبيراً في التضخم. 
غير أن أنصار ترامب لا يريدون أن ينسوا 2020 بالكامل، وما زالوا يتحدثون عن سعر البنزين في عهده كان أقل من دولارين للغالون، وهذا حدث بالفعل، ولكن لمدة شهرين فقط في 2020 .. شهران فاق خلالهما معدل البطالة 13 في المئة. 
لكن لنعد إلى اقتصاد بايدن الحقيقي والمتصوَّر.
لقد انخفض التضخم بسرعة كبيرة، خلال العام الماضي، ولأسباب تقنية مرتبطة بالطريقة التي يتعامل بها مع الإسكان، يُعد مؤشر أسعار المستهلك مؤشراً متخلفاً؛ إذ تشير مؤشرات أخرى إلى أننا بتنا قريبين من معدل التضخم الذي يستهدفه «الاحتياطي الفيدرالي»، والمتمثل في 2 في المئة. وكما أشرتُ إلى ذلك قبل قليل، فإن هذا الانخفاض في التضخم حدث من دون أي ارتفاع كبير في معدل البطالة، الذي ظل دون 4 في المئة لقرابة عامين.
صحيح أن الاقتصاد لا يزال يتسم بعدم المساواة والظلم، غير أنه يبدو أفضل حالاً بكثير، مع ارتفاع الأجور الحقيقية، وتراجع انعدام المساواة.
غير أنه حتى الأمس القريب كان بوسع «الجمهوريين» أن يجدوا بعض العزاء في حقيقة أن المؤشر الأبرز الذي يُستشهد به على أوسع نطاق، مؤشر شعور المستهلك، من جامعة ميشيغن، ظل ثابتاً عند مستويات كانت مرتبطة في الماضي بارتفاع معدلات البطالة أو التضخم، أو كليهما. 

الغريب هو أن الدراسات كانت تُظهر باستمرار أن معظم الأميركيين يشعرون بالرضا عن وضعهم المالي، ولكنهم كانوا يصرون على أن أشياء سيئة تحدث للاقتصاد -- أي لأشخاص آخرين. وفي هذا الصدد، نحتت المعلّقة كايلا سكانلون مصطلح «vibecession» («ركود الشعور»)، الذي بات يستخدم الآن على نطاق واسع للإشارة إلى موقف، حيث يبدو أن وجهات النظر السلبية حول الاقتصاد لا تتطابق مع البيانات.
بيد أن «ركود الشعور» قد يكون على وشك الانتهاء. إذ ارتفع مؤشر جامعة ميشيغن، خلال الشهرين الماضيين، في حين انخفض معدل التضخم المتوقع. وهكذا، أصبح الأميركيون فجأة يبدون أكثر إيجابية بشأن الاقتصاد.
صحيح أن معنويات المستهلك العامة لا تزال تبدو أضعف مما كانت عليه في أواخر 2019، حينما كانت البطالة والتضخم مماثلين لمستوييهما الحاليين. ولكن جزءاً كبيراً من هذه الفجوة، بل ربما معظمها، يعكس التعصب الحزبي. ذلك أن أنصار كلا الحزبين يميلون إلى تبني وجهات نظر اقتصادية سلبية عندما يسيطر الحزب الآخر على البيت الأبيض، ولكن التأثير أقوى بكثير عند «الجمهوريين».
فوفقاً لدراسة جامعة ميشيغن، فإن الجمهوريين عموماً يعتبرون الظروف الاقتصادية الحالية بنفس درجة السوء تقريباً، التي كانت عليها في يونيو 1980، عندما كان التضخم يتجاوز 14 في المئة، والبطالة تفوق 7 في المئة.
ما يعنيه هذا الأمر، من وجهة نظر سياسية، هو أن معنويات المستهلك بشكل عام تتأثر إلى حد كبير بأشخاص لن يفكروا أبداً في التصويت لبايدن على أي حال. وعليه، فالمهم هو تصورات الناخبين القابلين للإقناع و«الديمقراطيين»، الذين كان من الممكن أن يبقوا في بيوتهم في مواجهة اقتصاد سيئ. وهذه التصورات من شبه المؤكد أنها ستتحرك في اتجاه بايدن.
ولكن لماذا أخذ «ركود الشعور» ينتهي، إذا كان ذلك هو ما يحدث بالفعل؟ أحد الأجوبة عن هذا السؤال هو أن الأخبار الجيدة تحتاج لوقت حتى تترسخ في التصورات العامة. والواقع أن حتى بعض الاقتصاديين المحترفين لم يتمكنوا من تدارك تأخرهم، وما زالوا يتحدثون عن التضخم المرتفع بشكل عنيد؛ ولهذا، كان علينا ألا نتوقع تغير تصورات الناس العاديين فجأة.
وفضلاً عن ذلك، أعتقدُ أن التصورات الاقتصادية تتأثر بسوق الأسهم الذي ارتفع إلى مستويات قياسية مؤخراً.
والحال أن السوق يمثّل مؤشراً سيئاً جداً على مستقبل الاقتصاد، ولكنه واضح للغاية. وعلاوة على ذلك، فإنه يؤثّر على نبرة التغطية الإخبارية للاقتصاد، والتي كانت سلبية جداً في عهد بايدن، ولكنها قد تكون بصدد التحسن حالياً. ولكن، هل ستصبح التصورات الاقتصادية ميزة لصالح بايدن مؤخراً؟ ربما لا، غير أنه إذا كان ترامب يعوّل على تصورات اقتصاد سيئ، ليمنحه النصر، فإنه في الواقع يبدو غير راغب في التعاون.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»