قرابة 4 شهور والشعب الفلسطيني يعيش مأساة كبيرة بسبب الحرب على غزة التي فقد خلالها أكثر من 26 ألف روح، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 64 ألف شخص، فيما تهجر قرابة 85% من عدد سكان القطاع الذين يهيمون اليوم على وجوههم بلا مأوى فراراً من القصف، ويعانون نقصاً حاداً في الغذاء والدواء الذي هم بحاجة ماسة إليه ليس فقط لعلاج المصابين بشكل مباشر بالقصف، إنما بسبب الأوبئة التي باتت تهدد حيوات معظم من تبقى في ظل الحصار، وكذلك بسبب الدمار الذي حل بالبنية التحتية وعدم وجود المياه النظيفة.
من جانب آخر، يواجه المجتمع الإسرائيلي حالة انقسام لا مثيل لها بسبب الخسائر اليومية في صفوف قواته، فضلاً عما لحق باقتصاده من دمار وتوقف شبه كامل لشتى مناحي الحياة، فلا مصانع تعمل بطاقتها، ولا مدارس حتى تفتح أبوابها لاستقبال طلابها.
أما الجهود الدولية لإيقاف هذه الحرب فهي مستمرة، ومن بينها محاولة الاتحاد الأوروبي الضغط على إسرائيل لقبول «حل الدولتين»، لكن حكومة نتنياهو ما تزال ترفض إقامة دولة فلسطينية، وهو ما جعل أصوات العديد من الدول ترتفع منتقدة موقف الحكومة الإسرائيلية. ولعلنا للمرة الأولى نسمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يؤكدون على أن إنشاء دولة فلسطينية هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام، وأن إسرائيل لا يمكنها بناء السلام بالحرب والسلاح.
الموقف الإماراتي يتسق مع الموقف الأوروبي، فالسلام والاستقرار في المنطقة مرهون بحل الدولتين، وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها إعلان دولته المستقلة على أرضه. فالإمارات ومن خلال سفرائها تواصل - مع أطراف دولية عدة - بحث سبل وقف إطلاق النار في القطاع، وتوفير الحماية للمدنيين، وتقديم الدعم الإنساني لهم، والعمل مع الشركاء من أجل إيجاد أفق لإحلال السلام الشامل، والذي يجنب -في نهاية الأمر - الشعوب دفع التكلفة الباهظة للنزاعات المسلحة.
بالطبع لا يمكن بناء المجتمعات في ظل الصراعات والنزاعات، والتي تجلب الويلات وتجعل أكثر المتضررين منها النساء والأطفال، كونهم الأكثر تضرراً منها، فيتجرعون مرارتها، وتتفاقم أوضاعهم المعيشية مع انهدام البنيان الأسري وسقوط جدران الأمان والاستقرار. هذا ما ركزت عليه الإمارات خلال اجتماع مجلس الأمن بشأن بناء السلام والاستثمار في البشر. حيث أكدت أهمية اعتماد قوانين وسياسات تمكن النساء وتضمن حصولهن على الخدمات الأساسية. ولا شك أن الموقف الإماراتي هذا ينطلق من ضرورة تعزيز مرونة المجتمعات، وتجنيبها الحروب التي تؤدي لخسائر فادحة في الأرواح، وتنتهي بدمار العمران والاقتصاد على حد سواء، ورغم أن المساعدات - مهما كانت - لا تصلح ما تدمره الحروب، لكن الدول تبذل جهودها لتوفير ما يمكن.
وعن طريق هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، توزع الإمارات المساعدات الإغاثية على أهالي قطاع غزة ضمن عملية «الفارس الشهم 3» التي اشتملت على الطرود الغذائية والخيام وأكسية الشتاء. وضمن هذه العملية وصل عدد طائرات الشحن الإغاثية إلى 150 بالإضافة إلى سفينة شحن، فيما بلغ إجمالي المساعدات الإغاثية 10518 طناً. كما تم إنشاء 6 محطات تحلية مياه بقدرة إنتاجية 1.2 مليون ألف غالون يومياً، ووصل عدد الحالات المصابة التي استقبلتها الإمارات على أرضها إلى 425 حالة، و2644 حالة استُقبلت في المستشفى الميداني بغزة. أعلم يقيناً أن الإمارات تقوم بدورها بما يتماشى مع مبادئها الإنسانية، ومن منطلق إيمانها بأن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.
وما ينفع الناس في الأرض هو السلام بالتأكيد الذي من شأنه أن يبني الإنسان والأوطان.