هناك شيئان أؤمن بهما بشأن الأزمة التي ما فتئت تتسع في الشرق الأوسط: أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من رؤية استراتيجية جديدة لإدارة بايدن تتبلور من أجل التعاطي مع هذه الحرب متعددة الجبهات التي تشمل قطاع غزة وإيران وإسرائيل والمنطقة - وهو ما آملُ أن يكون عقيدة لبايدن تستجيب لخطورة هذه اللحظة الخطيرة وتعقيداتها. وأنه إذا لم نرَ مثل هذه العقيدة الكبيرة والشجاعة، فإن الأزمة في المنطقة ستتطور وتتفاقم بطريقة ستقوّي إيران، وتعزل إسرائيل، وتُضعف قدرة أميركا على التأثير في الأحداث هناك نحو الأفضل.
«عقيدة بايدن» - كما أسمي الالتقاء بين التفكير الاستراتيجي والتخطيط الذي التقطته تقاريري الصحفية - ستكون لها ثلاثة مسارات على الأرجح. على المسار الأول قد يكون هناك موقف قوي وحازم، بما في ذلك رد عسكري قوي على الميليشيات في المنطقة رداً على مقتل ثلاثة جنود أميركيين في قاعدة في الأردن بطائرة مسيّرة أطلقتها على ما يبدو مليشيا موالية لإيران في العراق. وعلى المسار الثاني ربما تكون هناك مبادرة دبلوماسية أميركية غير مسبوقة لدعم قيام دولة فلسطينية – الآن. وقد تشمل شكلاً من أشكال اعتراف أميركي بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة، دولة لن تخرج إلى الوجود إلا بعد أن يطوّر الفلسطينيون مجموعة من المؤسسات والقدرات الأمنية المحددة وذات المصداقية لضمان أن تكون هذه الدولة قابلة للحياة وألا تهدد أبداً إسرائيل. ولهذا الغرض، يتشاور مسؤولو إدارة بايدن حالياً مع خبراء داخل الحكومة الأميركية وخارجها حول الأشكال المختلفة التي قد يتخذها هذا الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وعلى المسار الثالث قد يكون هناك تحالف أمني أميركي موسع جداً مع المملكة العربية السعودية، يشمل أيضاً تطبيعاً سعودياً للعلاقات مع إسرائيل - إذا كانت الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتبني عملية دبلوماسية تفضي إلى دولة فلسطينية منزوعة السلاح تقودها سلطة فلسطينية ذات شكل جديد.
وإذا استطاعت الإدارة الأميركية تحقيق هذا - أقول إذا - فإن «عقيدة بايدن» قد تصبح أكبر إعادة اصطفاف استراتيجي في المنطقة منذ معاهدة كمب ديفيد في 1979.
بيد أنه ينبغي بكل تأكيد ربط هذه المسارات الثلاثة معاً حتى تنجح «عقيدة بايدن». وأعتقدُ أن المسؤولين الأميركيين يدركون ذلك. هذا لأنني أعلم علم اليقين: أن السابع من أكتوبر فرض إعادة تفكير جذرية بشأن الشرق الأوسط داخل إدارة بايدن، بالنظر إلى هجوم «حماس» على إسرائيل، والرد الإسرائيلي الضخم على «حماس» والذي أسفر عن مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين الأبرياء في غزة، والهجمات المتصاعدة على الأفراد الإسرائيليين والأميركيين في المنطقة، وعجز الحكومة «اليمينية» في إسرائيل على اجتراح أي خطة لحكم غزة في صباح اليوم التالي لنهاية الحرب مع شريك فلسطيني من خارج «حماس». 
إعادة التفكير الجارية تؤشّر على وعي بأنه لم يعد بوسعنا السماح بمحاولة إخراجنا من المنطقة، ومحو إسرائيل من الوجود، وترهيب حلفائنا العرب عبر العمل من خلال وكلاء - «حماس»، و«حزب الله»، و«الحوثيين»، والميليشيات الشيعية في العراق. وفي الوقت نفسه، تؤشّر إعادة التفكير هذه على وعي بأن الولايات المتحدة لن تتمتع أبداً بالشرعية العالمية وحلفاء «الناتو» والحلفاء العرب والمسلمين الذين تحتاجهم لمواجهة إيران بشراسة أكبر، إلا إذا توقفنا عن السماح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باحتجاز سياستنا رهينة لديه وشرعنا في بناء سلطة فلسطينية تتمتع بالمصداقية والشرعية، سلطة تستطيع يوماً ما حكم غزة والضفة الغربية بفعالية وكجارة جيدة لإسرائيل على حدود نهائية سيتفاوضان عليها.
نادر موسوي زادة، مؤسس شركة الاستشارات الجيوسياسية «ماكرو أدفايزري بارتنرز» ورئيسها التنفيذي ومستشار أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان، يصف «عقيدة بايدن» الناشئة بأنها «استراتيجية الحساب المزدوج».
وأضاف «زاده»: «إنك تكشف بشكل استراتيجي مناورات إيران، وفي الوقت نفسه، تنكب على مبادرة غير مسبوقة لإرساء أسس دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بطرق لم تفعلها الولايات المتحدة من قبل»، مضيفاً: «إن كل مسار يحتاج إلى الآخر لكي ينجح، وكل مسار يدعم الآخر ويبرره. فالتصدي لإيران ووكلائها بطريقة معززة ومستدامة يعزز أمن إسرائيل وأمن حلفائنا العرب، وربط ذلك بالتزام أميركي حقيقي وشجاع بقيام دولة فلسطينية يمنحنا الشرعية للتحرك كما يمنحها للحلفاء الذين نحتاجهم ليكونوا أكثر فعالية».
والواقع أننا تسامحنا مع نسف كل مبادرة بنّاءة نحاول إطلاقها في الشرق الأوسط - طالما لم تتخطَّ طهران عتبة مهاجمتنا بشكل مباشر. وفي الوقت نفسه، تسامحنا مع حكومة نتنياهو التي تسعى لعرقلة أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية بشكل دائم، إلى درجة أنها قدمت الدعم لـ «حماس» ضد السلطة الفلسطينية على مدى سنوات لضمان ألا يكون هناك شريك فلسطيني موحد. 
وقال موسوي زادة: «لقد كشف السابع من أغسطس أن سياستنا تجاه إيران كانت فاشلة وأن سياستنا تجاه إسرائيل وفلسطين كانت فاشلة»، مضيفاً: «فهذه السياسات قوّت حماس ومكّنتها من مهاجمة إسرائيل بوحشية. كما قوّت الحوثيين ومكّنتهم من شل الشحن العالمي، ومكّنت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران من محاولة طرد القوات الأميركية من المنطقة - وهي قوات منتشرة هناك للحؤول دون عودة «داعش» وللمساعدة على الحفاظ على استقرار المنطقة بشكل معقول». لكل هذه الأسباب، أعتقدُ وآملُ وأسألُ الله أن تكون عقيدة لبايدن في الشرق الأوسط بصدد التشكّل – ويجدر بالإسرائيليين أن يفعلوا ذلك أيضاً.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»