خلال افتتاح الدورة الثالثة من مؤتمر «القمة العالمية للتسامح والأخوة الإنسانية»، التي أقيمت مؤخراً في أبوظبي، ناشد معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش العالم للعمل على المشاركة في بناء مستقبل لا يضطر فيه المحتاج لطلب المساعدة، مستقبل الكل فيه - حكومات ومنظمات وأفراداً - يعملون من أجل توفير حياة آمنة وكريمة ذات معنى للجميع، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو مكان الميلاد أو المعتقدات، ومستقبل يتمتع فيه كل فرد برعاية صحية متطورة وتعليم متميز، وفيه تتضافر الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي وإنهاء الحروب والنزاعات السياسية والعسكرية، حيث العالم يدافع عن حقوق الإنسان، يشجع الابتكار واكتساب المعرفة، يحافظ على التراث، ويشجع الأفراد على الاعتزاز بهوياتهم الوطنية.
أمام تفاصيل تلك المناشدة الواضحة يقف الناس العاديون عاجزين عن فعل شيء. فكيف وأنّى لهم أن يكونوا قادرين على المساهمة في صناعة مستقبل «صفر مشاكل». لكن إن تفكّر كل واحد منا ملياً في الأمر سيجد نفسه قادراً على ذلك، ولو من خلال أشياء قليلة يقدمها. فأقل القليل خير من لا شيء أبداً.
من المؤكد أن الجهد الأكبر هو مسؤولية الحكومات بالدرجة الأولى، والمنظمات المصنفة دولياً، وتلك التي تحظى بدعم الدول والمجتمعات المدنية. وبرأي كثيرين - وأنا واحد منهم - لو أن كل دولة قامت بما عليها من مسؤوليات تجاه شعبها فقط، لوصلنا إلى ما نعتقده أضغاث أحلام، أي توفير الحياة الآمنة الكريمة والدفاع عن حقوق الإنسان، وتشجيع الابتكار واكتساب المعرفة، والمحافظة على التراث والهوية، ثم مواجهة التغيرات المناخية، وكل ذلك سيقود بشكل أو بآخر إلى عالم الحروب فيه قليلة كما نمنّي النفس.
وفي الوقت الذي تواجه فيه بعض الدول والشعوب الموت يومياً بسبب الحروب، تواجه دول أخرى أزمات سياسية واقتصادية قاهرة، ومن يدري إلى ماذا ستؤول المآلات إن لم يتوقف كل ذلك العنف وتنتهي - أو تتقلص - كل تلك الأزمات!
لا شك أن حماية حقوق الإنسان في توفير العيش له بكرامة وسلام، وعدم التمييز بين البشر بسبب لون أو عرق أو ديانة، وتشجيع الابتكار واكتساب وتطوير المعرفة، وتقديم الجهود لمكافحة التغيرات المناخية، وتوفير الرعاية الصحية المميزة، والاعتزاز بالهوية، ليست مجرد أمنيات في الإمارات، لأنها محققة بالفعل، ولعل الإمارات هي نموذج عربي وإقليمي لكل ما سبق. ثم إن للإمارات بصماتها الواضحة في العديد من الأحداث التي تدعم رؤيتها واستراتيجتها. فهي لا تدخر جهداً في تعزيز التسامح ونبذ التعصب وخطاب الكراهية والعنصرية والتطرف، كما صنعت لنفسها نهجاً في تبني الوسطية والاعتدال.
ولعل العالم لا ينسى للإمارات خلال رئاستها مجلس الأمن دورها في التصدي للقضايا الشائكة التي تبتعد العديد من الدول عن الدخول فيها تجنباً لما يمكن أن تحدثه حولها من جلبة ربما تهدد مصالحها المباشرة، أي قضية الإرهاب والتطرف. واللافت أن الإمارات في مسعاها لا تكتفي بما توفره على أرضها من عوامل أمن وأمان، إنما راحت تنشر فكرها وتبث رؤيتها في العالم من خلال المبادرات التي تصاحبها أفعال لقيت ارتياحاً وترحاباً كبيرين على المستويين الشعبي والرسمي.
ما أحوجنا اليوم، في ظل ما يشهده العالم من انقسامات متزايدة وموجات متصاعدة من خطاب الكراهية والتطرف بجميع أشكاله، أن نمد جسور المودة ونعزز القيم الإنسانية المشتركة. والحكومات والمنظمات المعنية مُطالبة حتماً بالتفكير الجاد لوضع آليات عملية تجعلهم يتنبّهون مبكراً لمواضع الأزمات، ومعالجتها عاجلاً وقبل قبل فوات الأوان، وإلا شبت النار لتأكل كل ما في طريقها.