تبرز بين فترة وأخرى بعض الآراء المسيسة التي تنتقد الاستثمارات الخليجية في الدول العربية، إما لأغراض تحريضية، أو لعدم إلمام بطبيعة الاستثمار الخارجي ومتطلباته وضِمنها الضمانات القانونية والبنية التشريعية المتطورة.
لقد استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الخمسة الماضية مئات مليارات الدولارات في الدول العربية على شكل مساعدات وإعانات تنموية واستثمارات تجارية من القطاعين الحكومي والخاص، وهو ما أدى إلى إقامة مئات المشاريع التنموية التي أسهمت مساهمةً فعالة في التنمية وتوفير الوظائف وتحسين مستويات المعيشة، والتي شملت أيضاً الكثيرَ من الدول النامية.
وتحاول دول المجلس نقل تجربتها الغنية في مجال الاستثمار المشترك إلى الدول العربية الأخرى، إذ تنتقل الاستثمارات الخليجية البينية بين دول المجلس بحرية تامة ومن دون أي حساسيات، مما أدى إلى تنفيذ عشرات المشاريع المهمة والتي كان آخرها مشروع مصفاة الدقم بسلطنة عمان بمساهمة كويتية وبتكلفة 9 مليارات دولار، حيث حضر قائدا البلدين مراسيم افتتاحها الأسبوع الماضي، مما يؤكد أهمية هذا المشروع الحيوي.
والحقيقة أن دول التعاون تواجه العديد من العراقيل في نقل هذه التجربة، فبعد الاحتجاجات الشعبوية في بعض الدول، والخاصة باستصلاح الأراضي الزراعية، حيث أعرب «الشعبويون» عن رفضهم تمليكَ المستثمرين الخليجيين هذه الأراضي لاستصلاحها وإدخالها حيز الإنتاج التنموي، مما عرقل بعض تلك المشاريع وبقاء الأراضي عديمة الجدوى، لتفقد هذه الدولُ إمكانيةَ تنمية قطاعها الزراعي ورفع مساهمته في الناتج المحلي وتوفير الكثير من الوظائف، في الوقت الذي وجدت فيه الاستثمارات الخليجية منافذَ استثمارية أفضل وأكثر عائداً وضماناً في الدول الأخرى، وهو ما أدى بنفس القوى لتوجيه انتقادات متناقضة لدول المجلس لعدم استثمارها في الدول العربية!
وهو ما يثير حيرة المستثمرين الخليجيين ويدفعهم للتساؤل: هل الاستثمارات الخليجية مرحب بها لدى تلك الدول العربية أم لا؟ وهذا علماً بأن التوجه الخليجي ينطلق من جوانب ودية وإنسانية وأخوية، ويتعرض لخسائر كبيرة في بعض الدول العربية أحياناً.
 ومؤخراً برز مثل هذا التشويش في أحد المشاريع المهمة في إحدى الدول العربية، وذلك بعد محاولة رسوّ مشروع سياحي على إحدى الشركات الخليجية.
وكما هو معروف اقتصادياً، فإن الأرض تعتبر أحد ثلاثة أعمدة لعناصر الإنتاج، وذلك بالإضافة إلى رؤوس الأموال والأيدي العاملة، مما يعني أن مالك الأرض لا يمكنه الاستفادة منها في ظل غياب العنصرين الآخرين، في حين أن استثمارها سيفيد كافة الأطراف. والدولة من خلال البيع أو الإيجار أو المساهمة ستتمكن من الحصول على عائدات مجزية لدعم وضعها المالي، وسيتوفر الكثيرُ من الوظائف مما سيقلل معدلات البطالة، وذلك بالإضافة إلى استفادة المستثمر، وإلا فلا معنى لهذا الاستثمار. 
إذن أين الخطأ إذا كانت كل الأطراف مستفيدة؟
 لقد أسهم استقطاب الاستثمارات الأجنبية في بروز دول وتحولها من بلدان فقيرة إلى دول تتمتع بواحد من أعلى مستويات الدخل في العالم، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، أما الدول التي تعرضت لعراقيل في مجال استقطاب الاستثمارات الأجنبية فقد فوتت عليها وعلى مواطنيها فرصاً تنموية ومعيشية لا تقدر بثمن. وهنا يمكن الاستشهاد بمقولة أحد القادة الخليجيين الذين قدموا تجربة تنموية رائدة عندما اعترض بعضهم على بيع العقارات لمستثمرين من دول الجوار، قائلاً: «إذا رأيتم أحداً مِن هؤلاء حاملاً بنايةَ ويريد الخروج بها من المطار أخبروني»، مما ينم عن ذكاء وبعد نظر أسهما في نجاح هذه التجربة التنموية وتحولها إلى نموذج إقليمي وعالمي.