انطلاقاً من المبادئ الإنسانية لدولة الإمارات، ركزت الجهات المختصة على دعم وتمكين «أصحاب الهمم» في إطار منظومة متكاملة. وشمل ذلك مختلف المراحل التي تضمن أفضل تعامل ممكن مع هذه الفئة المجتمعية، ابتداءً من التشخيص والتقييم، مروراً بالتأهيل والتعليم، وحتى التدريب والتشغيل الدامج، وصولاً إلى التوظيف وتحقيق الاستقرار الأسري والاجتماعي، وذلك في إطار قاعدة بيانات متطورة ومحدثة وشاملة لأصحاب الهمم على مستوى الدولة.

ويحتل تمكين أصحاب الهمم موقعاً متقدماً ضمن رؤية القيادة الرشيدة، على النحو الذي عبَّر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بن آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بقوله إن «الاهتمام بأصحاب الهمم وتقديم الرعاية المتكاملة وفق أعلى المعايير العالمية يأتي ضمن جوهر خطط الدولة وبرامجها لتمكينهم لكي يصبحوا منتجين ومساهمين في خدمة بلدهم، فهم جزء أصيل وأساسي من مكونات مجتمعنا. دعمهم ورعايتهم مسؤولية وأمانة».

وفي إطار التخطيط الشامل لتحقيق هذا الهدف، فقد أطلقت الدولة «السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم» في 18 أبريل 2017، لتحقيق المشاركة الفاعلة والفرص المتكافئة لهم في مجتمع دامج، يضمن الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، من خلال 6 محاور رئيسية، هي: الصحة وإعادة التأهيل، والتعليم، والتأهيل المهني والتشغيل، وإمكانية الوصول، والحماية الاجتماعية والتمكين الأسري، والحياة العامة والثقافة والرياضة.

ويتضمن كلُّ محور تفصيلاً لمستهدفاته، ففي محور التعليم يُراد الوصول إلى «توفير رعاية صحية شاملة، ومجموعة من الفحوصات الطبية في مراحل ما قبل وأثناء وبعد الولادة للوقاية من الإعاقة. كذلك تطوير بحوث ودراسات الإعاقات، والمتلازمات الوراثية، والأمراض النادرة التي تسبب الإعاقة، وإطلاق برنامج وطني للكشف المبكر عنها». وفي محور التعليم يتمثل المستهدف في «تطوير نظام تعليمي دامج في مجالات التعليم العام والمهني والعالي، وتوفير معلمين ومختصين في مختلف الإعاقات والمراحل، وافتتاح تخصصات فرعية لتعليم ذوي الإعاقة من قبل الجامعات والمعاهد».

وقد بدأت الجهود المنسقة من أجل تحقيق المستهدفات في هذين المحورين وفي باقي المحاور، منذ اللحظة الأولى لإطلاق الاستراتيجية، وهو ما آتى أكله في وقت وجيز، وأسهم في تحقيق تطورات يشيد بها أصحاب الهمم وأسرهم والجهات المعنية بهم داخل الدولة وخارجها.

ولم يتوقف الأمر عند «السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم»، إذ تلاها إطلاق «استراتيجية حكومة أبوظبي لأصحاب الهمم 2020-2024»، وذلك في سبتمبر 2020، بمشاركة أكثر من 28 جهة حكومية محلية واتحادية معنية. وتسعى المبادرة إلى جعل الإمارة دامجة ومهيأة لأصحاب الهمم، بما ينسجم مع رؤية الوزارة بتوفير حياة كريمة لجميع أفراد المجتمع.

وتجدر الإشارة إلى أن «الأولمبياد الخاص للألعاب العالمية أبوظبي 2019»، المخصص لأصحاب الإعاقات الذهنية، كان نموذجاً لجهود دولة الإمارات التي تُقدِّم أفضل الفرص لأصحاب الهمم لمخاطبة العالم من خلال إنجازاتهم الرياضية، وإلقاء أضواء أكبر على قضاياهم ومتطلباتهم التي يلزم التكاتف لتلبيتها.

وكان التنظيم المبهر الذي جعل من هذا الحدث محط اهتمام الدول والشعوب ووسائل الإعلام، برهاناً على قدرة دولة الإمارات على تحويل كل فعالية تحتضنها أرضها الطيبة إلى علامة مهمة ومحطة فارقة. وقد كشفت دراسة أجرتها وكالة نيلسن العالمية المتخصصة في قياس الرأي العام، أن هذا الحدث المميز كان سبباً مباشراً لتحسين المشاعر والمواقف العامة تجاه الأفراد ذوي الإعاقة الذهنية داخل الدولة، إذ شعر أكثر من نصف المستطلعة آراؤهم بتحسن كبير في المواقف تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، ووصلت النسبة إلى 70% بين الأشخاص الذين تربطهم علاقة ما بهذا الحدث.

ومما لا شك فيه أن العناية بأصحاب الهمم إنما تنطلق من قيمة أساسية أرستها دولة الإمارات منذ تأسيسها، وهي الاهتمام بالإنسان أولاً وقبل كل شيء، وبذل كل الجهود من أجل توفير أفضل الفرص لحياة كريمة لائقة له، باعتباره هدف التنمية وغايتها في الوقت نفسه.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.