يصب الحكم القضائي الصادر يوم الجمعة الماضي، والذي قضى بتغريم دونالد ترامب ومنعه من إدارة شركاته في نيويورك، المزيدَ من الزيت على نار حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية. ربط ترامب على الفور الحكمَ ضده بمحاولات منعه من خوض هذه الانتخابات. وندَّد مرةً أخرى، ولن تكون الأخيرة، بما أسماه «استغلال القضاء ضد خصم سياسي متقدم في استطلاعات الرأي العام».

وبغض النظر عن صحة ما يدعيه ترامب من عدمه، فهو يَلقى آذاناً صاغيةً لدى أنصاره الذين يؤمنون مثله بأن التُهم التسعين الموجهة ضده في أربع قضايا جنائية ما هي إلا محاولةٌ لمنعه من العودة إلى البيت الأبيض الذي غادره في يناير 2021. وهذا هو مصدر الخطر الذي يخشى كثيرٌ من الأميركيين -قبل غيرهم- أن يخرج من السيطرة إذا حدثت أعمالُ عنفٍ في انتخابات نوفمبر المقبل. وهو في الوقت نفسه أحدثُ مظاهر أزمة الديمقراطية الغربية حتى الآن.

فليس مُتصوراً أن تكون الانتخابات الأميركية المقبلة فرحاً أو عُرساً ديمقراطياً، وتشبيه الانتخابات بالفرح شائعٌ في مجال ترويج النموذج الغربي للديمقراطية. لكن الشكوك تزدادُ الآن في إمكانات الاستمرار في تسويق هذا النموذج، في الوقت الذي تزداد أزماته، ويتوقع 49% من الأميركيين حدوث أعمال عنف في الانتخابات، بل يرجحون ذلك حسب التعبير الذي استُخدم في استطلاعٍ أجرته شبكة «سي بي إس» بالتعاون مع شركة «يوغوف» للأبحاث في ذكرى مرور ثلاث سنوات على أحداث 6 يناير 2021 في مبنى الكونجرس.

وعندما نتأمل المشهد السياسي في الولايات المتحدة، لا نجدُ صعوبةً في معرفة المدى الذي بلغه تراجع النموذج الديمقراطي الغربي في أهم معاقله وأكبرها. لا يعترف نحو نصف الأميركيين بشرعية الإدارة الحالية ترتيباً على عدم ثقتهم في نتيجة انتخابات 2020، في تناقضٍ واضحٍ مع أهم مقومات هذا النموذج، وهو قبول الخاسر ما تسفر عنه العملية الانتخابية ومبادرته إلى تهنئة الفائز. لم نعد نرى هذا المشهد الجميل كثيراً في الدول الغربية.

لكن عندما نشاهدُ نقيضَه، وفي الولايات المتحدة تحديداً، فهذا مؤشرٌ إلى تصدع نموذجٍ طالما قُدم إلى العالم بوصفه سبيلاً إلى التقدم والازدهار. ولعل هذا يفسر الاعتقادَ المُتزايد بأن الانتخابات الأميركية المقبلةَ قد تُشكَّل خطراً غير مسبوق بغض النظر عن نتيجتها. فإذا خسر ترامب مرةً ثانيةً، يُرجّح أن تؤدي ردود فعل أنصاره إلى صداماتٍ عنيفة.

وإذا خسر بايدن يُرجّح أن يرفض أنصارُه الاعترافَ بشرعية ترامب ويستدعوا تفسيراً مختلَفاً عليه للدستور مؤداه عدم أحقية أي شخص دعَّم أو حرَّض على «تمرد» في تولي منصبٍ فيدرالي. فهل يبقى، والحالُ هكذا، معنى للحديث عن أفراحٍ ديمقراطية، فيما يزدادُ الخوف من أتراحٍ قد ترافقُ أهم انتخاباتٍ في العالم الغربي؟ أياً يكن الجواب، فقد بات واضحاً أن العبرةَ ليست بنوع النظام السياسي بل بأدائه، وأن المعيار الأصح لتقييم أي نظامٍ هو الاستقرار والنجاح والإنجاز.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية