ما زالت أسعار النفط تخضع لضغوط خفض الأسعار وضغوط مضادة لتثبيتها عند مستوياتها الحالية أو حتى رفعها في حالة انخفاض الدولار التي تقوم بها معظم مبيعات النفط لتعويض انخفاض القيمة الحقيقية لمبيعات الدول المصدرة.

ومؤخراً اكتسبت «حرب الأسعار» طابعاً تصعيدياً، أثبتت فيه الدول الأعضاء في «أوبك+» أنها قادرة على إدارة هذا التنافس بما يخدم حصولها على عائدات عادلة لصادراتها من النفط ومشتقاته، فبعد بعض التراجع في الأسعار لتتدنى مؤقتاً إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل بقليل، وهو الخط الأحمر الذي تسعى الدول المصدرة إلى عدم تجاوزه، توالت القرارات والتصريحات لدول مجموعة «أوبك+» لإثبات أنها ما زالت تملك قيادة دفة الأسواق من خلال التحكم في مستويات الإنتاج.

لقد انخفضت الأسعار بعد نشر بعض البيانات الخاصة بالأداء الاقتصادي لبعض الاقتصادات الرئيسية المستهلكة للنفط وارتفاع المخزونات النفطية في هذه الدول، وذلك رغم عدم وجود مصادر مستقلة تتيح التأكد من هذه البيانات والتي يستغلها المضاربون لتحقيق أرباح عالية.وجاء تحرك أعضاء «أوبك+» سريعاً وقوياً، إذ أعلنت السعودية أنها قررت إلغاء قرارها السابق لعام 2021 بزيادة الطاقة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027 وإبقاء مستوى إجمالي الطاقة عند 12 مليون برميل، علماً بأنها تملك أكبر طاقة إنتاجية فائضة من بين دول المجموعة، حيث وجهت رسالةً للأسواق مفادها أن أي نقص في العرض سيشكل خللاً بين مستويات العرض والطلب، وهو ما انعكس إيجابياً على مستوى الأسعار التي تجاوزت 80 دولاراً للبرميل. أعقبها مباشرة تصريح وزير الطاقة الإماراتي معالي سهيل المزروعي الذي أكد أن دولة الإمارات «ملتزمة بالعمل مع الشركاء في تحالف أوبك بلس»، بما يضمن استقرار سوق النفط العالمية، لتتولى تصريحات وزراء نفط آخرين في تناغم واضح، حيث صرّح وزير النفط العراقي حيان عبدالغني بأن العراق «ملتزم بقرارات منظمة الدول المصدرة للبترول فيما يتعلق بالإنتاج وملتزم بعدم إنتاج أكثر من أربعة ملايين برميل يومياً».

لقد أسهم ذلك في ارتفاع الأسعار لتصل إلى 83 دولاراً للبرميل، مما دفع وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان لتهدئة المخاوف الخاصة بالإمدادات، مشيراً إلى أن تحالف «أوبك بلس مستعد لتعديل سياسة إنتاج النفط»، مضيفاً أن «مهمتنا في (أوبك) أن نكون منتبهين لأي تحركات في السوق، ونحن مستعدون للزيادة أو النقصان في أي وقت مهما كانت مقتضيات السوق». وهو ما أكد عليه الأمين العام للمنظمة هيثم الغيص قائلاً «إن تخفيضات الإنتاج الطوعية تظهر مرونة متأصلة في نهج (أوبك بلس) لإدارة السوق».

وتؤكد هذه وغيرها من المواقف المرنة من قبل دول المجموعة حرصها الشديد على إمدادات النفط وعلى تجنّب أي نقص فيها وفي الوقت نفسه المحافظة على حقوقها بالحصول على أسعار عادلة لمبيعاتها، وهو ما يفترض أن يلقى التفهم والاستجابة من الدول المستوردة بعيداً عن التجاذبات الخاصة بمحاولة تخفيض الأسعار إلى مستويات متدنية والتي لم تؤدِّ إلى نتيجة ذات تأثير خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يتطلب التعاون مع دول «أوبك+» للمحافظة عل استقرار أسواق النفط، خصوصاً أن دول المجموعة تبدي في المناسبات كافة استعدادها للتعاون والتنسيق مع المستوردين، بدليل أنها تزيد الإمدادات في حالة ارتفاع الأسعار بصورة حادة لحرصها على استقرار الاقتصاد العالمي ومراعاة للظروف الاقتصادية للدول المستوردة، بما فيها الدول النامية، مما يتطلب تفهماً مماثلاً في حالة تدني الأسعار إلى ما دون الخط الأحمر الذي وضعته «أوبك+»، إذ إن مراعاة مصالح الأطراف كافة مسألة مهمة جداً لاستقرار السوق، وهو ما أكدنا على ضرورة استيعابه أكثر من مرة.

ومع بداية الأسبوع الجاري حدث تطور مهم يختص بدراسة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أشار فيها إلى أن «قرارات أوبك تدعم استقرار أسواق النفط لما لديها من مصداقية». وبهذا التوجه من الجانبين فقط يمكن تجنّب سلبيات التقلبات الحادة في أسواق النفط والتي تضر بدول المجموعتين على حد سواء وبالاقتصاد العالمي ككل.

*خبير ومستشار اقتصادي