تنطلق الإمارات في علاقاتها الخارجية من إيمانها بأن العمل الجماعي الدولي هو السبيل لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، ومنذ سنوات، اعتمدت الدولة في شراكاتها الخارجية على استراتيجية التنوع في التحالفات الدولية، لتوفير نطاق حركة أوسع إقليميّاً ودوليّاً، وبما يضمن فرص التجارة والاستثمار، ويحقق الاستقرار والأمن الدولي.

وبالتوازي مع رؤية الإمارات لسياستها الخارجية، تتطلع قوى آسيوية إلى التعاون مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعلى رأسها دولة الإمارات، وخاصة إذ كانت منطقة آسيا الوسطى محط اهتمام العرب والمسلمين تاريخيّاً مع وجود روابط متشعبة بين الثقافة العربية والإسلامية وثقافات دول آسيا الوسطى، وفي إطار التقارب بين المنطقتين، عقدت القمة الأولى لقادة دول آسيا الوسطى والخليج العربي، في 2023، لتضع أسس العلاقات بين المنطقتين وشكل مسار المستقبل. وتمتد الدول الخمس في آسيا الوسطى، كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، على مساحة تتجاوز أكثر من 4 ملايين كيلومتر مربع، في منطقة تتميز بموقعها الجغرافي، واحتياطات كبيرة من مصادر الطاقة والمعادن، وأهمية جيواستراتيجية للمنطقة التي تتماس مع روسيا والصين والهند وإيران وبحر قزوين.

وتشهد علاقات الإمارات مع دول آسيا الوسطى نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، نظراً إلى الإمكانات الهائلة للاستثمار، إذ إن المنطقة وجهة مفضلة للإمارات في استراتيجية استثمارها، وبالفعل تعمل أكثر من 200 شركة إماراتية في كازاخستان، إضافة إلى الاستثمار في قطاع الموانئ والشحن وقطاع الطاقة، والتعاون السياسي، والثقافي والأمني والعسكري. وتتشارك الإمارات الاهتمام مع دول آسيا الوسطى في قضايا عدة منها، مكافحة الإرهاب، ولاسيما بعد انسحاب القوات الغربية من أفغانستان، وتزايد خطر الإرهاب على منطقة آسيا الوسطى، خاصة الدول المجاورة مثل طاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان، كما تعد المنطقة مكاناً للتنافس الاستراتيجي بين القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما تركيا وإيران، ولذلك يمكن للتعاون مع الإمارات في موازنة نفوذ القوى الإقليمية. وعلى المستوى الدبلوماسي، افتتحت تركمانستان، في 2019، قنصلية في دبي، أما على المستوى الإنساني، وفي ذروة تفشي جائحة كورونا، قدمت الإمارات مئات الأطنان من المساعدات الطبية لدول آسيا الوسطى، إضافة إلى توقيع اتفاقية لبناء «مستشفى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان»، في كازاخستان.

وإدراكاً لأهمية علاقات الإمارات مع آسيا الوسطى، ينظم مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» بالشراكة مع المعهد الدولي للدبلوماسية الثقافية، مؤتمر «الدبلوماسية الحديثة في عصر العولمة: آفاق وانعكاسات جديدة للتعاون بين الإمارات وآسيا الوسطى»، ليركز على دور الدبلوماسية في عصر معولم ومترابط وتنافسي، بالتطبيق على العلاقات بين دولة الإمارات وآسيا الوسطى، وبحث مستقبل العلاقات في مجالات الاقتصاد والطاقة والتجارة والاستثمار، ضمن نشاط مكثف للمركز مع مؤسسات بحثية دولية يتناول الرؤى والقضايا الدولية، في إطار علمي لاستنباط مخرجات تفيد الدولة والمجتمع الإماراتي.

تتعاون الإمارات مع دول آسيا الوسطى، وتسعى إلى زيادة الاستثمار والتعاون والشراكة، واستكشاف آفاق جديدة للتفاعلات، ويمكن تطوير العلاقات عبر تناول المراكز البحثية للمنطقة بالدراسة ما يعطي لصناع القرار المعلومات اللازمة للتحرك على مستويات التعاون كافة، خاصة في ملفات مكافحة الإرهاب في ضوء تشابكات التنظيمات المتطرفة العابرة للحدود، والبعد الاقتصادي والتجاري، والتوازنات الإقليمية.

*باحثة مركز تريندز للبحوث والاستشارات