بعد عامين من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يبدو أن الرئيس فلاديمير بوتين في طريقه لتحقيق أهدافه مع مواصلة سيطرته على الأرض واعتراف القيادة الأوكرانية بأن جيشها يواجه ظروفاً قاسية في ميدان القتال.
تحولات دراماتيكية في المشهد العام بعد أن كان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي ومن خلفه الغرب يمنّي النفس بهجوم معاكس قبل أشهر قليلة يسترد فيه ما استحوذت عليه القوات الروسية، وإذا به يخسر المزيد من الأراضي والجنود وتضطر قواته للانسحاب في بعض المناطق. وبعد خسارة أوكرانيا قرية أفدييفكا، تقبع القوات الأوكرانيا تحت سيل الغضب الروسي في جميع جبهات القتال.
اعترف الجيش الأوكراني أنه يعاني نقصاً في الذخيرة والقذائف، وأن الوضع يزداد سوءاً مع تعطّل إقرار حزمة دعم أميركية بقيمة 60 مليار دولار، فحث زيلينسكي حلفاءه في مؤتمر ميونيخ للأمن للتحرك من أجل سد العجز، لكن لم يتغير الوضع، ولم يقدم الحلفاء إلا دبابات ليوبارد، التي لن تقلب الموازين على الإطلاق، ولن تحقق له أية غاية إنْ قام بهجوم مضاد. فهل توقف الحلفاء الواضح عن دعم زيلينسكي لأن مطالبه لا تنتهي؟!
منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة ضد أوكرانيا في فبراير 2022، وصف الكريملن عمليته بأنها معركة بقاء ومسألة حياة أو موت، فوضعت روسيا كامل قوتها وحققت نقاط تحوّل حتى في أصعب الجبهات.
ما يجري على الأرض ينعكس على موازين القوى ويؤثر في خريطة العالم الجديد، كما يصل صداه إلى واشنطن وإعلامها كذلك. الرئيس الأميركي بايدن من جهته حث أعضاء مجلس النواب الأميركي - و«الجمهوريين» على وجه الخصوص - على الموافقة بأسرع وقت ممكن على دعم أوكرانيا. ولا يمكن تفسير ذلك إلا بسبب الخوف من سقوط مناطق أوكرانية أخرى في ظل نقص المعدات العسكرية التي يعاني منها الجيش الأوكراني.
قد تذهب أوكرانيا ضحية الصراع بين الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» والولايات المتحدة على أعتاب عام الانتخابات الرئاسية، ومظاهر ذلك واضحة من خلال عرقلة «الجمهوريين» خطوات بايدن الذي يسعى في المقابل إلى تحميلهم مسؤولية التفوق الروسي في الميدان.
وفي إطار التراشق بين الحزبين، أعرب مسؤولون أميركيون عن قلقهم بشأن المكاسب الروسية مشيرين إلى أنها «انعكاس لتباطؤ المساعدات»، أي المساعدات التي يجب أن تقدم للأوكرانيين من قبل حلفائهم. ولعل الخوف من انتصار روسيا عكسته تماماً (CNN) التي نقلت ما قالته المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي أدريان واتسون بهذا الشأن، وعبارتها (هذه هي كلفة تقاعس الكونغرس).
في المقابل، لا شك أن ما يحدث في غزة جاء على طبق من ذهب لروسيا التي تصارع أقوى وأكثر قطب في العالم حضوراً حتى اليوم. فبينما انشغلت الولايات المتحدة وحلف «الناتو» بدعم جيش إسرائيل، تراجع الاهتمام بأوكرانيا، الأمر الذي عزز الشعور العام لدى الأوكرانيين وعلى كافة المستويات الرسمية والعسكرية والشعبية بتخلي الجميع عنهم، وتراجع الدعم اللوجستي وتناقص الإمدادات بالذخيرة والمعدات والأسلحة المطلوبة للقتال، وبالتالي صد الهجوم الروسي الموجود وعلى عدة محاور.
لكن يبقى الأهم والأخطر في هذا الصراع هو عامل الوقت. على ما يبدو أن الوقت في صالح الطرف الروسي بكل وضوح، خصوصاً إن أخذنا بعين الاعتبار احتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير المقبل، وتنفيذه الرؤية التي أعلنها بوضوح وعبر عنها في تصريحاته خلال جولاته الانتخابية، فهو لن يكترث إن سقطت كييف، وبالتالي سيدير ظهره تماماً لأوكرانيا، وهو ما يعني أن بوتين قد يحصل على ضوء أميركي أخضر ليسيطر على المزيد من الأراضي الأوكرانية، حيث لن يوقفه أحد!