توقعنا في بداية العام الماضي أن تحقق البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي أداءً متميزاً في عام 2023، وهو ما تم تأكيده مع إعلان نتائج هذه البنوك لعام الماضي، حيث ارتفعت أرباح العديد منها بنسب كبيرة، تراوحت بين 30 و40%، وأعلنت توزيعات فاقت التوقعات، وهو ما أدى إلى ارتفاع مماثل في أسعار أسهمها، إذ سيحصل المساهمون على عوائد مجزية مع مواعيد الاستحقاقات في شهر مارس المقبل.
وإضافةً إلى ارتفاع أسعار الفائدة والذي لعب دوراً أساسياً في زيادة الأرباح، فإن المصارف الخليجية استفادت أيضاً من الأداء القوي لاقتصادات دول المجلس، حيث ارتفاع معدل نمو القطاعات غير النفطية بنسب عالية تراوحت بين 4 و5%، وهو ما زاد الطلبَ على الائتمان المصرفي، وذلك رغم ارتفاع أسعار الفائدة، حيث يلاحظ هنا عدم انسجام أسعار الفائدة العالية مع الأوضاع الاقتصادية بدول المجلس، إذ لا توجد مبررات لمعدلات الفائدة العالية بسبب تدني معدلات التضخم، ألا أن ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي، رغم إيجابياته فإنه لا يتيح بديلاً آخر في هذا المجال.
لقد أدى ذلك إلى زيادة تكاليف الإقراض وسبب بعض الصعوبات للشركات، وبالأخص في القطاع العقاري وقطاع المواصلات الذي عانى تأثيرات مزدوجة تتعلق بارتفاع أسعار الوقود وتكاليف الإقراض في الوقت نفسه. لكن ماذا بشأن أسعار الفائدة للعام الجاري 2024؟ ستتوقف على ذلك العديد من الأنشطة الاقتصادية، بما في ذلك أداء البنوك ومستويات أسعار الأسهم في البورصات الخليجية، خصوصاً أن هناك توقعات تشير إلى إمكانية تخفيض أسعار الفائدة هذا العام. من الناحية الأولية، سيتم تخفيض أسعار الفائدة، إلا أن البيانات الأخيرة الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي تشير إلى أن التوقعات الخاصة بإمكانية انخفاض معدلات التضخم مبالغ فيها، مما سيؤدي إلى التريث في تخفيض أسعار الفائدة، وذلك رغم أنها ستخفض في هذا العام، إلا أن هذه التخفيضات ستكون بمعدلات أقل من التوقعات السابقة، بمعني أنها ستبقى عند مستويات مرتفعة نسبياً.
لذا ستمر البنوك الخليجية والكثير من بنوك العالم «بربيع آخر»، إذا صح التعبير، وستحقق معدلات أداء جيدة بمستويات العام الماضي أو أدنى منها بقليل، مما يعني أن الاستثمار في قطاع البنوك سيشكل أحد أفضل مجالات الاستثمار في هذا العام أيضاً، إذ يتوقع أن تقوم البنوك بناءً على أدائها بتوزيعات جيدة مقاربة لتوزيعات عام 2023.
لقد تمتعت المصارف الخليجية بوضع مميز بين البنوك في الدول المتقدمة والناشئة على حد سواء، إذ استفادت من التوسع الاقتصادي المدفوع بزيادة الإنفاق الناجم عن عائدات النفط المرتفعة، وهي فرص لا يتوافر مثلها في البلدان الأخرى التي تنمو قطاعاتها الاقتصادية غير النفطية بمعدلات متواضعة لا يتجاوز بعضها 1%، مما دفع وكالة «ستاندرز آند بوز» للتصنيفات الائتمانية للقول في تقريرها حول القطاع المصرفي الخليجي إن «القطاع المصرفي بدول مجلس التعاون، وبالأخص في الإمارات والسعودية، سيشهد نقطة مضيئة أخرى وسيستمر الائتمان والربحية قويين في عام 2024، وذلك رغم إمكانية حدوث انخفاض طفيف عن مستويات عام 2023»، ويرجع ذلك إلى احتمالية انخفاض أسعار الفائدة بصورة أساسية.
وفي الوقت نفسه يتوقع أن يشهد القطاع المصرفي في بعض دول المجلس اندماجات متوقعة في العام الجاري، مما سيعزز وضعَ بعض البنوك، ويرفع قدراتها التمويلية وأدائها بشكل عام، ليمنحها المزيد من التميز، مقارنة بالبنوك في الدول الأخرى، ويجعل أسهم البنوك المدرجة أكثر جذباً للمستثمرين المحليين والخارجيين. أما القطاعات الاقتصادية غير النفطية، فعليها التأقلم مع عام آخر من أسعار الفائدة المرتفعة، وذلك من خلال أعادة هيكلة بعض الأنشطة وتخفيض تكاليف التشغيل، وهو ما سيؤهلها لوضع أفضل في عام 2024.

*خبير ومستشار اقتصادي