عائشة الرميثي* تُوسِّع الصين من استثماراتها في مشروعات البنى التحتية والاتصالات والتكنولوجيا والموانئ والخدمات اللوجستية في الشرق الأوسط، ما يبرز أهمية المنطقة في رؤية بكين، حيث الموقع الاستراتيجي للمنطقة بتقاطعها مع ثلاث قارات، إضافة إلى المحورية الجيواستراتيجية في «مبادرة الحزام والطريق»، التي تعدُّها بكين إحياءً للمسار التاريخي «طريق التحرير».وتتَّبع الصين في الشرق الأوسط دبلوماسية تقوم على الثقة المتبادلة لتحقيق التوازن بين مصالحها وتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة. ومع اعتمادها على دول الخليج العربي في النفط والغاز والتبادل التجاري مع الدول العربية والاستثمار في دول الإقليم، ترغب الصين في الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، ومن هذا المدخل، كان اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران بوساطة صينية لتخفيف حدة التوترات، وهو نجاح لدبلوماسية الصين في إقامة علاقات متوازنة مع دول المنطقة تجعلها وسيطاً مؤثراً في استقرار الشرق الأوسط. وفي العقدين الماضيين، تضاعفت التجارة الصينية مع الشرق الأوسط، حيث تتحرك الصين في المنظومة الدولية الاقتصادية بتأنٍّ. والعلاقات مع الصين لها سمات وخصائص جاذبة للدول، حيث يتعاظم دور الصين ونفوذها دولياً، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي، وبالنظر إلى حجم التبادل التجاري الصيني مع الدول العربية، فإنه وصل في 2022 إلى ضِعف ما كان عليه قبل عشرة أعوام، ليسجل نحو 431.4 مليار دولار، وبذلك تُعدُّ الصين أكبر شريك تجاري للدول العربية.وفي رحلة تنامي علاقات بكين مع دول المنطقة بعيداً عن الانتماءات السياسية والأيديولوجية، وعدم ربط التعاون بشروط عسكرية، حققت الصين تقدماً على صعيد صادرات الأسلحة في السنوات الماضية مع حلفاء بارزين للولايات المتحدة بالمنطقة، ولكن من دون تورط صيني في أزماتها، حيث تمتلك بكين رؤية استراتيجية قائمة على التمسك بمبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي في التعامل مع الأزمات، وخاصة فيما يتعلق باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. وتتسم سياسة بكين بأنها لا تأخذ مواقف حادة تجاه أحداث في المنطقة، لكنها تساند حلفاءها في إطار دبلوماسي تعاوني في مجالات متعددة، وهنا يمكن فهم موقف الصين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إذ تدعو إلى خفض التوترات والعمل عبر مسار حل الدولتين، لكنها لا تبادر بطرح مشروع لوقف إطلاق النار في غزة، بمجلس الأمن، لأنها تريد الحفاظ على توازن العلاقات مع إسرائيل، ولأنها تعتبر النزاعات الطويلة معقدة ومتشابكة ومزعزعة للاستقرار، ولها تأثير على المصالح التجارية. تقيم الصين علاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون، وفي القلب منها دولة الإمارات والسعودية، أساسها الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والمنفعة المتبادلة، بعيداً عن الخلافات الإقليمية. ويمكن لدول الخليج توسيع العلاقات مع الصين من البعد الاقتصادي إلى أفق سياسي يتعلق بالتنسيق في القضايا الدولية، وخاصة مع وحدة الهدف في الاستقرار الإقليمي والدولي، وعضوية الصين الدائمة في مجلس الأمن.

وتأسيساً على رغبة بكين في التركيز على التجارة والتعاون الاقتصادي والاستثماري، فإن هذا يوفر فرصة للعديد من دول الشرق الأوسط لتنويع علاقاتها وتعزيز فرص تحقيق خططها التنموية، مع القدرة على توازن علاقات دول الشرق مع قوى عالمية متعددة، حيث يمنح نهج الصين المحايد والمقترن بالتعاون الاقتصادي دول الشرق الأوسط قدرة على التنوع في الساحة الدولية مع الحفاظ على مصالحها الخاصة، وقدرة على تنويع شبكات التعاون في كل المجالات، وخاصة مع نأي الصين بنفسها عن أن تكون طرفاً في الخلافات الإقليمية، وتأمين أكبر قدر من الاستقرار كمتطلب رئيسي للتنمية الاقتصادية، وهو ما تسعى له دول خليجية وعربية، ولاسيما الإمارات، التي تقوم رؤيتها على أن السلام والاستقرار ركيزة للتقدم والتنمية.

*مدير إدارة البحوث والاستشارات- مركز تريندز للبحوث والاستشارات