صفقة من العيار الثقيل تلك التي عقدتها الإمارات مع مصر مؤخراً لاستثمار وتطوير منطقة «رأس الحكمة» بالإضافة إلى ضخ 35 مليار دولار. فالأزمة التي يعاني منها الاقتصاد المصري، والتي انتهت بتهاوي قيمة العملة المحلية - الجنيه - مقابل الدولار، استوجبت التدخل الإماراتي الذي يمكن وصفه بالإنقاذي. وأنا على يقين أن فوائد المشروع ستكون مهمة للجانبين، وللاقتصاد المصري على وجه الخصوص.
ومصر ببعدها الحضاري والتاريخي والجيوسياسي تفرض نفسها وبقوة ليس فقط على صعيد الدول العربية، إنما على صعيد القارة الأفريقية والعالم أجمع، ولهذا يجب أن تبقى قوية ومكانتها ثابتة. وبرأيي الشخصي أن تلك المسألة هي أمنية كل عربي، وكل من يحب مصر التي أثبتت أنها أرض ولّادة.
وبالعودة إلى الصفقة، فإنها من حيث المبدأ نوع من الاستثمار الذي لا تكمن أهميته فقط بما سيجلبه من نقد أجنبي، إنما أيضاً بطلب اليد العاملة ومواد البناء وكافة السلع والخدمات المرتبطة بتنفيذ هكذا مشروع. ومن المفترض أن يفضي المشروع وعلى المدى الطويل إلى تدفقات إضافية من الاستثمار المباشر، ويحقق طفرة كبيرة في السياحة لمصر.
نتائج المشروع ظهرت سريعاً مع ارتفاع قيمة السندات السيادية المصرية الدولارية بنحو ثلاثة سنتات فور توقيع الاتفاق. والصفقة التي حصلت بموجبها «القابضة الإماراتية» على حقوق تطوير الأراضي البكر في شبه جزيرة رأس الحكمة على ساحل البحر المتوسط من شأنها أن تخفف الضغوط المالية على مصر، والتي شهدتها بعد أزمة كوڤيد، وما تبعها من تداعيات، إضافة للحرب الروسية الأوكرانية، وأخيراً ما يحدث في غزة، وفي باب المندب أيضاً.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال (ليس من السهل أن يضع أحد 35 مليار دولار في شهرين، وهذا الموقف يجسد أبهى مظاهر الدعم والمساندة من أشقائنا)، وأضاف أن الدعم الذي قدمته الإمارات لمصر لا يوجد له مثيل في العالم، تعبيراً عن سعادته بالصفقة، والتي تحرص الإمارات من خلالها على دعم مصر في مواجهة التحديات والصعاب التي تمر بها حالياً.
بنك «غولدمان ساكس» كان قد أكد أن حجم الاستثمارات بين الجانبين أكبر بكثير مما كان متوقعاً، وأن الصفقة كافية لتغطية فجوة التمويل في مصر على مدى السنوات الأربع المقبلة. «غولدمان» توقّع حدوث انخفاض حاد في طلب المضاربة على العملات الأجنبية في السوق الموازية للاقتصاد المصري، وهو ما حدث فعلاً خلال الأيام القليلة الماضية مع هبوط سعر الدولار في السوق السوداء خاصة، وقرارات الحكومة المصرية فيما يتعلق بالتعامل مع الأزمة، بعد أن أعطت الصفقة البنك المركزي فرصة لالتقاط الأنفاس والحيلولة دون تعرّض العملة المحلية لمزيد من التآكل السريع.
وبفضل هذا المشروع أبرزت وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني بدورها التوقعات الإيجابية للاقتصاد المصري، حيث أشارت في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني أن الاتفاق سيخفف ضغوط السيولة الخارجية على مصر، مع توقعاتها بانخفاض معدلات التضخم في مصر على أساس سنوي خلال النصف الثاني من العام الحالي 2024.
إن العلاقات الوثيقة بين كل من الإمارات ومصر، والتي تطورت كثيراً في العقد الأخير، يمكن ترجمتها من خلال العدد الكبير من القمم واللقاءات التي جمعت بين رئيسي الدولتين، ولا شك أن تلك اللقاءات قد أسهمت في نقل العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة إلى مراحل متقدمة، وعززت حضور البلدين ليكونا من أهم اللاعبين في المنطقة وعلى جميع المستويات، السياسية والاقتصادية والعسكرية، والأهم من ذلك أنها ترد على الشائعات التي تطال العلاقات بين البلدين، فهي تاريخية وعميقة واستراتيجية.