تستعد الهند للانتخابات العامة التي من المقرر إجراؤها في أبريل ومايو من هذا العام. وتُمثل الانتخابات عرساً للديمقراطية في الهند التي تُعد من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم والتي تمر بمرحلة مفصلية من تاريخها في وقت تسعى فيه إلى أن تصبح دولة متقدمة.
وعلى الرغم من أن «لجنة الانتخابات الهندية» لم تعلن بعد عن المواعيد المحددة بالضبط، فإن حمى الانتخابات بدأت تجتاح البلاد منذ الآن. ويُعد نطاق الانتخابات الهندية كبيراً جداً، إذ من المتوقع أن يدلي نحو 986 مليون ناخب بأصواتهم. كما سيتم إنشاء 1.2 مليون مركز اقتراع عبر أنحاء البلاد لتمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم. وعلى الرغم من أنه ما زالت تفصلنا قرابة شهرين عن موعد الانتخابات، فإن حزب بهارتيا جاناتا الحاكم بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي يبدو واثقاً في أفق هذا الاستحقاق المهم، لا سيما بعد الفوز الذي حققه الحزب مؤخراً في انتخابات الجمعية التشريعية في 3 ولايات مهمة تعد من المناطق الناطقة باللغة الهندية. فوزٌ منح حزبَ بهارتيا جانتا دَفعةً قوية عشية الانتخابات. كما تمكن الحزب في ديسمبر الماضي من الاحتفاظ بالسلطة في ولاية ماديا براديش، وهزم «حزب المؤتمر» في راجاستان وتشاتيس غره في الانتخابات الولائية.
وحتى الآن، تتوقع استطلاعات الرأي عودة مودي إلى السلطة لولاية ثالثة على التوالي مدتها خمس سنوات. وعلى بعد ما يزيد قليلاً عن شهر عن موعد انتخابات الغرفة السفلى للبرلمان، تتوقع استطلاعات الرأي فوز التحالف الذي يقوده الحزب الحاكم ب378 مقعداً من أصل 543 مقعداً، في حين يُتوقع أن يفوز التحالف الذي يقوده حزب المؤتمر بـ 98 مقعداً فقط. والجدير بالذكر هنا أن حزب بهارتيا جانتا كان قد فاز في 2019 بـ303 مقاعد من أصل 543 مقعداً، في حين فاز حزب المؤتمر ب52 مقعداً. ويأمل حزب المؤتمر إحياء حظوظه من خلال تحالف يضم 27 حزباً معارضاً. ولهذا، عمل زعيمه راهول غاندي بجد قبل الانتخابات وخاض مسيرةً راجلةً زار خلالها جهات مختلفة من البلاد بغية حشد الدعم للحزب.
وتُعد هذه الانتخابات بالغة الأهمية بالنسبة لتحالف المعارضة، لأن الحظوظ السياسية لحزب المؤتمر تراجعت بشكل مطرد وسط صعود حزب بهارتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي. وما زال حزب المؤتمر، الذي خسر الانتخابات في استحقاقين متتاليين في 2014 و2019، يعاني مشكلاتٍ جمةً، من خلافات مع الحلفاء وانشقاق بعض زعمائه البارزين إلى المشاكل المالية. وعلاوةً على ذلك، وفي وقت تحتاج فيه الأحزاب للتمويل من أجل خوض الانتخابات، تطالب إدارة ضريبة الدخل حزب المؤتمر بتسديد ما قيمته 2.1 مليار روبية. ومع أن الأحزاب السياسية معفاة من ضريبة الدخل، إلا أن هيئة الضرائب سحبت 650 مليون روبية من عدة حسابات مصرفية لحزب المؤتمر، وهو ما وصفه الحزب بـ«الإرهاب الضريبي». 
الاضطرابات السياسية التي يواجهها حزب المؤتمر تتباين مع حزب بهارتيا جاناتا، الذي يحقق نجاحاً بفضل حملته الانتخابية المتطورة التي أطلقها قبل شهر في كل ولايات الهند تقريباً. وفي الأثناء، أخذ بهارتيا جاناتا، الذي يتمتع أيضاً بقوة تنظيمية عالية في الميدان بفضل كوادر منظمته الأم ال«آر إس إس»، يركز على ولايات جنوب الهند التي لا يتمتع فيها أصلاً بتأييد شعبي كبير. ذلك أن كل ولايات جنوب الهند تقريباً تحكمها أحزابٌ سياسية محلية تعارض حزب بهارتيا جاناتا. ولهذا، فإن الطريق الأسلم بالنسبة لحزب المؤتمر يكمن في محاولة الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد في ولايات جنوب الهند.
كما يواجه بهارتيا جاناتا أيضاً بعض الصعوبات، ومن ذلك احتجاجات المزارعين في ولايات شمال البلاد، حيث يطالب الفلاحون بضمانات بخصوص أسعار محاصيلهم. والجدير بالذكر هنا أن المزارعين يمثّلون مجموعة مؤثرة في الهند، حيث تعتمد 70 في المئة من الأسر الريفية في الهند على الزراعة بشكل أساسي، مما يجعل المزارعين بنكاً مهماً للأصوات. وكان الحزب قد تعرّض للإحراج في عام 2021 بسبب اعتصامٍ لآلاف المزارعين استمر شهوراً في العاصمة دلهي. وحينئذ رضخت الحكومة لمطالب المزارعين وألغت ثلاثة قوانين كان المزارعون يخشون أن تضعهم تحت رحمة الشركات الكبرى.
واليوم، يستند رئيس الوزراء مودي وحزبه بهارتيا جاناتا الحاكم إلى موجة من التأييد الشعبي، ولا يرغبان في انفجار قضية المزارعين مجدداً قبل الانتخابات. وفي الوقت نفسه، بات ارتفاع الأسعار يمثل مشكلةً بالنسبة للعديد من الناخبين. ولئن كانت الهند واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً، فإن أزمات عالمية أدت إلى ارتفاع أسعار الوقود والخضراوات، وكذلك إلى تضخم أسعار الغذاء، الأمر الذي يؤثر على الناس ولاسيما أولئك المنتمين إلى الطبقة المتوسطة. غير أن الحزب الحاكم يعوّل في هذه الانتخابات على شعبية مودي، والقومية الهندوسية، وبرامج الرعاية الاجتماعية التي أنشأتها الحكومة للفوز بما يصل إلى 400 مقعد في الانتخابات العامة المقبلة. كما يتعهد في حملته الانتخابية بجعل الهند دولة متقدمة بحلول عام 2047.


*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي