لا يعني ازدياد التحذيرات من حرب عالمية جديدة أو ثالثة أن نشوبها مُحتمل، إذ يَحسُنُ التحذيرُ مما لا يَُرغبُ فيه أو يُخشى منه. لكن الحرب عالميةً كانت أم إقليمية، كبيرة أم صغيرة، لا يسبقُها بالضرورة ما يوجبُ التحذير. لم يحذر أحد، ولا توقع أصلاً، نشوب أيٍ من الحربين العالميتين الأولى والثانية في القرن الماضي. وعندما نعودُ إلى التفاعلات الدولية في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى، لا نجدُ أي تحذير من اندلاعها. ولم تَظهر في سماء العالم سُحبٌ كثيفةٌ يمكنُ أن تُسقط نيراناً هائلةً تَقتل وتُدمر. كانت هناك أزمات دولية عدّة أهمها أزمةُ منطقة البلقان وحربيها الإقليميتين. لكن لم يكن هناك ما يدلُ على أن الصراع على البلقان يمكنُ أن يُشعل حرباً عالمية. ومن ذا الذي كان في إمكانه أن يتنبأ بأن طالباً صربياً سيغتالُ ولي عهد النمسا وزوجته في 28 يونيو 1914 أثناء زيارتهما لبلده، ثم يتوقع أن تقرر فيينا إنهاء ما أسمته «سياسة الصبر» مع سراييفو فتبدأ عجلةُ الحرب في الدوران.
كما لم يتوقعُ أحدٌ أيضاً نشوب الحرب العالمية الثانية بالرغم من أن الألمان كانوا ناقمين على الإذلال الذي تعرضت له دولتهم عقب هزيمتها في الحرب الأولى. وكان دعمُهم للحزب النازي وزعيمه هتلر مؤشراً على أنهم لن يرضوا بما فُرض عليهم. لكن هذا لم يكن يعني حتمية نشوب حرب ثانية، إذ كان ممكنًا أن تتطور التفاعلاتُ الدولية في اتجاهٍ يُداوي جراح ألمانيا بدون قتال.
ولهذا لا يصحُ التعامل اليوم مع أي تحذيرٍ من نشوب حربٍ عالمية كما لو أنه دليلٌ على قُرب اندلاعها. خطر توسع الحرب في أوكرانيا يبدو محدوداً. وسلوك حلفاء أوكرانيا الغربيين طوال أكثر من عامين يدلُ على حذرٍ بالغ. ولم تكن إشارةُ الرئيس ماكرون في 26 فبراير إلى «عدم استبعاد» إرسال قوات غربية لأوكرانيا، خلال مؤتمر لدعمها استضافته باريس قبل أيام من الآن، إلا تعبيراً عن قلقٍ من مسار الحرب. كما أن إسراع قادة غربيين آخرين وأمين عام «الناتو» لتأكيد عدم وجود أي استعداد لإرسال مثل هذه القوات أكد أن حديث ماكرون المشار إليه كان حديثاً عابراً. وحتى إن افترضنا جدلاً توسع حرب غزة، فستبقى محصورةً في الشرق الأوسط.
أما ما ورد في تحليلٍ نُشر على موقع «فورين أفيرز»، آخر يناير الماضي، عن حربٍ عالمية جديدة، فكان مبنياً على ما يعتقدُ كاتبوه أنها أوجهُ شبه بين الصراعات الراهنة في العالم وتلك التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية. ويُمكنُ أن نجد فعلاً ما يدلُ على شَبهٍ ما بين الحالتين، لكن يوجدُ اختلافُ يُقلِّلُ أهميتَها، وهو أن الدول الكبرى التي انخرطت في الحرب العالمية الثانية كانت تشاركُ كلُها تقريباً بقواتها، وليس عبر وكلائها، في حربي البلقان اللتين سبقتاها.
ومع ذلك يتعينُ أن تزداد جهودُ الدول المحبة للسلام والتعايش والاعتماد المتبادل لإنهاء حربي أوكرانيا وغزة بمقدار ما تستطيع.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية