بعد عقود من الحياد اعتمدتها السويد منذ بدايات القرن التاسع عشر، انتهى المطاف بانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، لتكون الدولة الـ32 في مظلّة أمنية مشتركة أُسّست لمواجهة الاتحاد السوفييتي السابق، واليوم تتوسع مع انضمام السويد وفنلندا لمواجهة روسيا.

ومع هذا التوسع، تبدو أمام روسيا تحديات أكبر، في ظل استمرار حرب أوكرانيا بلا نصر أو حسم أو تفاوض لإنهاء الصراع، وبدلاً من تحجيم وإبعاد الحلف عن المحيط الروسي، وتحديداً في أوكرانيا، تتزايد المخاطر على موسكو، خاصة أن احتمالية دخول دول مثل البوسنة وجورجيا وأوكرانيا لـ«الناتو»، باتت واردة بعد فنلندا والسويد. لقد دفعت الحرب في أوكرانيا السويدَ إلى تحولات حاسمة لإعادة النظر في سياستها الأمنية، وبالرغم من مواجهة السويد عوائق في مسار انضمامها للحلف، وبالتحديد مع تركيا التي وضعت شروطاً وقدمت السويد تنازلات للتغلب على العقبات، فإن انضمام السويد للحلف يمثّل تغييراً في موازين القوى الأوروبية في مواجهة التحديات الأمنية، إذ باتت السويد تستفيد من حماية الناتو بموجب نظام الدفاع الجماعي.

وبعد اندلاع حرب أوكرانيا، توترت العلاقات بين موسكو وستوكهولم لدرجة اعتبار دخول الناتو تهديداً لأمن روسيا القومي وخطوة عدائية، لأن خيارات موسكو تزداد تعقيداً، فانضمام السويد، ومن قَبلها فنلندا، يفرض واقعاً جيوسياسياً يعمل على تغيير قواعد التوازنات الدولية في شمال أوروبا، وأضحى من السهل على «الناتو» إجراء تدريبات ومناورات ونشاطات أوسع في بحر البلطيق، فجميع الدول الأعضاء لديها منفَذ لبحر البلطيق، ما يعني إضعاف وجود روسيا الاستراتيجي في هذا الحوض، وصعوبة إجراء أي أنشطة عسكرية روسية، أو حتى تعزيز القدرات الدائمة في المنطقة.

وتشكل خطوات «الناتو» عواقب داخلية في روسيا تتعلق بجدوى الحرب في أوكرانيا، مع قرب الحلف من حدود مدينة سان بطرسبورغ بنحو 200 كيلومتر فقط، وتماسّ «الناتو» مع حدود روسيا بطول 1300 كيلومتر، خاصة مع تقييم الشعب الروسي قرار القيادة بشأن أسباب وتداعيات التحرك الروسي في فبراير 2022، وتأثير مكاسب «الناتو» على مسار الحرب في أوكرانيا، ما يتطلب جهوداً أكبر من جانب موسكو بنشر قوات على طول الحدود مع فنلندا، وتحديث البنية التحتية العسكرية في كاريليا ومورمانسك.

إن انضمام السويد لحلف «الناتو» عزّز تآكل أعداد الدول المحايدة في أوروبا، والآن بات الحياد في النمسا وسويسرا وأيرلندا فقط. وفي حال استمرار الوتيرة الحالية للأوضاع في المنطقة، فلا يُستبعَد تخلّي أي منها عن الحياد، خاصة مع زيادة التوتر، والتغيير في الأولويات الأمنية الأوروبية، على خلفية التحرك الروسي نحو إعادة المجال الحيوي في شرق أوروبا، إضافةً إلى الاستقطاب الجيوسياسي، والتخوف من التجاذبات في منطقة البلطيق. وهناك تحديات متعددة أمام مكاسب حلف «الناتو»، يتمثل أهمها في عدم تطابق الرؤى الأوروبية تجاه شكل الشراكة الأطلسية، واختلاف التهديدات الأمنية المباشرة لكل دولة، وتباين القدرات التمويلية والعسكرية لدول الحلف، وأي تحرك ستتخذه روسيا في الوقت الحالي والمستقبلي في الرد على خطوات «الناتو»، مع احتمالية تفعيل «خيار الردع النووي»، وإعادة تعريف دور منظمة معاهدة الأمن الجماعي في المعادلات الجديدة، في ظل عدم وجود رؤية غربية لتحديد شكل العلاقة مع أوكرانيا في المستقبل، واحتمالات التوصل إلى اتفاق سلام مع موسكو في المستقبل.

إن توسع «الناتو» شرقاً قد يجلب على أوروبا والأمن الدولي أخطاراً استراتيجية أكبر، لأن التماسّ على مدى حدودي متزايد بين روسيا ودول «الناتو» يمكن أن ينزلق إلى حرب واسعة، فيما أن إرساء الأمن والاستقرار لا يتحقق عبر التحالفات العسكرية المضادة وزيادة التسليح العسكري، مع استبعاد آليات الحوار والتفاوض، واستخدام التهديد كلغة أساسية من الجانبين.

* باحث رئيسي - إدارة الباروميتر العالمي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات.