يبدو أن جماعة الحوثي بدأت تضطر للتصرف ضمن «قواعد الاشتباك» التي فرضتها قوات التحالف «حارس الازدهار» بقيادة الولايات المتحدة؛ فعقب هجومهم باتجاه حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس لابون» في البحر الأحمر، في 15 يناير الماضي، أعلنت القيادة المركزية الأميركية إسقاط صاروخ كروز مضاد للسفن أطلقه الحوثيون.
ويُعدّ ذلك الهجوم الأول من نوعه ضدّ هدف عسكري أميركي بعد الضربات المكثفة التي شنّها التحالف يومَي 11 و12 يناير ضد أهداف حوثية متعددة. ويبدو أن تلك الضربات الأميركية البريطانية لم تكن كافية لردع الحوثيين، إذ أكدوا أنهم سيواصلون عرقلةَ السفن المتجهة إلى إسرائيل طالما استمر القصف لغزة.
الحوثيون الذين تغيروا من جماعة يمنية إلى جماعة «ولائية» بحتة منذ أيام الرئيس علي عبدالله صالح وحروبهم معه، استغلوا عمليةَ غزة لجلب مكاسب شعبية لعلها تمنحهم الشرعيةَ التي يفتقدونها. 
ما من عربي ينكر ما يتعرض له الفلسطينيون من معاناة، لكن الأعمال الحربية التي يقوم بها الحوثيون في البحر الأحمر زادت من الانقسام داخل اليمن، حيث يعاني اليمنيون أنفسُهم مِن أعمال الحوثي وممارساته ويستنجدون بالعالم لإخراجهم من المعاناة التي يعيشونها. 
والحوثيون بقصفهم السفنَ التجاريةَ إنما يبحثون عن شعبية ويسعون إلى مكاسب سياسية لم يحصلوا عليها مِن قبل! وبعض الآراء تتساءل: طالما أنه لدى الحوثيين صواريخ بعيدة المدى يستطيعون استخدامها ضد السفن المتجهة نحو إسرائيل، فلماذا لا يهاجمون القاعدة الإسرائيلية في إحدى الجزر الأفريقية القريبة من اليمن؟
بعض المحللين اليمنيين يقولون إن الحوثي أحدث ضجةً من أجل مصالحه وليس لفائدة غزة، وهو يريد من وراء ذلك خلقَ شرعية لنفسه على حساب الفلسطينيين. وفي هذا السياق نلاحظ أيضاً أن ما يقوم به الحوثيون منذ أربعة شهور لم يغير بنداً واحداً في شروط إسرائيل، بل أضرّ بالجانب العربي من خلال التأثير على حركة العبور التجاري في قناة السويس، لكنه لم يستطع أن يعدل في أجندة لندن أو واشنطن أو إسرائيل ولم يؤثر على اقتصاد أي منها!
ويتساءل اليمنيون: أليس الأولى بالحوثيين، وهم يدّعون مناصرةَ أهالي غزة، أن ينصروا أهل اليمن أولاً، بفتح الطرقات والبلدات وإخلاء سجونهم من الرجال والنساء والأطفال؟! وكما يطالبون بفك الحصار عن قطاع غزة، أليس من الواجب عليهم أيضاً أن يُنهوا حصارَهم على القرى والبلدات التي يغلقون منافذَها منذ عام 2015 ويرفضون فتحها؟!
يبدو أن الحرب بالنسبة لميليشيات الحوثيين تشكل اقتصاداً مربحاً، علاوةً على أن طبيعة الحوثيين لا تنزع إلى السِلم والموادعة، لذا لم يستغلوا فرصةَ الهدنة لاستئناف الحوار مع الحكومة الشرعية وفق الطروحات السلمية، لأن حساباتهم العقائدية لا تنسجم مع مقدمات السلام وتبعاته.
ينخدع الحوثيون بمظاهر التصفيق على قصف السفن في البحر الأحمر ويراهنون عليها، لكن سبقتهم إلى هذا أحزابٌ ودول تعاملت مع «الثعلب البريطاني» و«النسر الأميركي الكاسر» فلم تقبض إلا الريح. عليهم أن يدركوا أن الجلبة التي أحدثوها أعطت تبريراً، وفق القانون الدولي، لتواجد القوات البحرية الأميركية والبريطانية في البحر الأحمر وباب المندب، وأنهم بهذا يتخادمون مع هذه القوى الدولية ضمن «قواعد الاشتباك» التي تريدها هذه القوى، وهم يتوخون منها -واهمين- أن تضفي عليهم الشرعية! 

*سفير سابق