في عام 1973، كانت أميركا تشهد ارتفاعاً مثيراً للقلق في التضخم، لكن «جورج شولتز»، وزير الخزانة آنذاك، أشار إلى أن المشكلة ستكون مؤقتة - أي أن الاقتصاد يمكن أن يشهد «هبوطاً ناعماً». (الهبوط الناعم أو الهبوط السلس في الاقتصاد هو تباطؤ دوري في النمو الاقتصادي بهدف تجنب الركود.)
لكن هذا لم يحدث. فقد كانت فترة السبعينيات من القرن العشرين عقداً من الركود التضخمي، ولم تتم السيطرة على التضخم أخيراً في الثمانينيات إلا من خلال سياسات مالية متشددة تسببت في سنوات من البطالة المرتفعة للغاية، لذا كان الرئيس جو بايدن يخاطر بعض الشيء عندما أعلن في خطاب «حالة الاتحاد» أن «الهبوط سيكون سلساً»، لكنه يكاد يكون من المؤكد أنه على حق.
ماذا نعني بالهبوط الناعم؟ بشكل عام، تحقيق تضخم منخفض بشكل مقبول دون ارتفاع معدلات البطالة، ولكن ماذا نعني على وجه التحديد بانخفاض التضخم وانخفاض البطالة؟ في أكتوبر 2022، وضع «جيسون فورمان»، من جامعة هارفارد - الذي كان متشائماً في ذلك الوقت بشأن الهبوط الناعم - بعض المعايير المحددة، وإن كانت تعسفية إلى حد ما، وطلب من قرائه وضع الاحتمالات على النتائج المحتملة، وأعطى تقييمه الخاص.
يشير مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي إلى مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي باستثناء الغذاء والطاقة، والذي يفضل الاحتياطي الفيدرالي استخدامه لتوجيه السياسة النقدية، ويختلف إلى حد ما عن مؤشر أسعار المستهلك. لن يكون لدينا هذا الرقم لشهر فبراير حتى وقت لاحق من هذا الشهر، ولكن اعتباراً من يناير، ارتفع المؤشر بمعدل سنوي بلغ 2.5% خلال الأشهر الستة السابقة، في حين أن البطالة في عام 2023 لم تتجاوز 4% إطلاقا. لذلك كنا نشهد بارتياح السيناريو الذي اعتقد فورمان أن فرصة حدوثه تبلغ 10% فقط.
ونحن بعيدون جداً عن توقعات بعض الاقتصاديين الآخرين، وأشهرهم «لاري سمرز»، الذي اعتقد أننا يجب أن نمر بسنوات من البطالة المرتفعة للغاية لخفض التضخم.
ومع ذلك، فإن البيانات الأخيرة - بما في ذلك البيانات التي صدرت يوم الثلاثاء الماضي - كانت مخيبة للآمال إلى حد ما، مع صدور تقريرين متتاليين عن أسعار المستهلكين الساخنة إلى حد ما وتلميحات باهتة عن تدهور سوق العمل. فهل تم إلغاء فرضية حدوث هبوط ناعم؟
على الأغلب لا. وأنا أعتقد أن هناك أسباباً وجيهة لعدم أخذ أرقام التضخم الساخنة هذه على محمل الجد. أنا في الواقع أكثر قلقاً بعض الشيء بشأن ارتفاع مخاطر الركود.
أولاً: ربما تكون قد قرأت أن أسعار المستهلك باستثناء المواد الغذائية والطاقة ارتفعت بنسبة 3.8% خلال العام الماضي. هذا يبدو سيئاً جداً، ولكنني لا أعرف أي خبراء اقتصاديين جادين يعتقدون أن هذه صورة دقيقة للتضخم الأساسي.
ذلك لأن هناك مشكلتين كبيرتين مع هذا الرقم. أولاً، إن فترة عام طويلة للغاية: كان التضخم يتراجع على مدار عام 2023، وبالتالي فإن الأرقام السنوية تعطينا صورة للماضي. ثانياً، إن هذا الارتفاع في مؤشر أسعار المستهلك الأساسي مدفوع إلى حد كبير بارتفاع أسعار المساكن، ومعظمها ما يعادل إيجار المالكين وهو السعر الذي، بحكم التعريف، لا يدفعه أحد فعلياً ولأسباب فنية، فإن المقاييس الرسمية لأسعار المساكن تتخلف كثيراً عن إيجارات السوق، والتي كانت على المستوى الوطني قريبة من المستوى الثابت لفترة طويلة.
فأين نحن حقاً؟ أحب أن أنظر إلى التغير لمدة ستة أشهر في أسعار المستهلك باستثناء المواد الغذائية والطاقة والسيارات المستعملة والمساكن - ليس لأن العناصر المستثناة لا تهم، ولكن لأنها إما شديدة التقلب أو، في حالة المساكن، مؤشر متخلف بشكل سيئ. إذ يرتفع هذا المؤشر بمعدل سنوي 2.8%.
ويمكننا تحليل الأرقام بشكل أعمق، والعديد من الاقتصاديين مشغولون بفعل ذلك في الوقت الحالي، ولكن اسمحوا لي أن أقدم لكم بعض المؤشرات الأخرى التي تمنحني بعض الثقة في أن معدل التضخم الأساسي أقل بكثير من 3%.
أحد المؤشرات هو الأجور، فقد ارتفع متوسط ​​الأجر في الساعة، بمعدل سنوي أقل من 4% على مدى الأشهر الستة الماضية، في حين ارتفعت الإنتاجية (رقم متقلب، خاصة أثناء الركود الجائحة وبعده مباشرة) بمعدل سنوي قدره 1.6% منذ عشية الجائحة، ويشير ذلك إلى أن معدل التضخم الأساسي يبلغ نحو 2.5%.
ليس هناك ما يشير في أي من الدراسات الاستقصائية التي رأيتها إلى أن التضخم يتسارع من جديد. لذا فأنا على يقين من أن الجانب التضخمي من قصة الهبوط الناعم لا يزال سليماً.
لكنني أكثر قلقاً قليلاً بشأن جانب البطالة. كان معدل البطالة في شهر فبراير، والذي بلغ 3.9% لا يزال منخفضاً وفقاً للمعايير التاريخية، لكن المعدل ارتفع قليلاً. ويراقب العديد من الناس، وأنا منهم، عن كثب قاعدة «سهم» وهي قاعدة تجريبية منتظمة، اكتشفتها «كلوديا سهم»، الخبيرة الاقتصادية السابقة في بنك الاحتياطي الفيدرالي، والتي تركز على متوسطات معدل البطالة على مدى ثلاثة أشهر. (وكما يحدث، فإن أحد الأشياء المحزنة، ولكن المضحكة التي تراها كثيراً في وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بالاقتصاد هو أن الرجال - دائماً تقريباً رجال - يسيؤون إلى... كلوديا سهم).
تقول القاعدة إن الركود يكون محتملاً للغاية إذا ارتفع متوسط الأشهر الثلاثة بأكثر من نصف نقطة مئوية فوق أدنى مستوى سابق. وكان من المفيد جداً في الماضي أن توفر البيانات الاقتصادية للاحتياطي الفيدرالي، وهي مصدر البيانات الاقتصادية الذي لا يقدر بثمن، مخططات جاهزة لقياس قاعدة «سهم».

وقد بدأ هذا الإجراء في الزحف إلى أعلى. لا يزال أقل من مستوى 0.5 الحرج، لكنني أشعر بالقلق من أن أسعار الفائدة المرتفعة قد يكون لها أثرها أخيراً، وأنه من خلال إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي يخاطر بتحويل كل تلك الدعوات الخاطئة للركود إلى حقيقة.
لكن في الوقت الحالي، على الأقل، ما زلنا في منطقة الهبوط الناعم. في النهاية سيحدث خطأ ما، لأن هناك شيئاً ما يحدث دائماً، ولكن بالمقارنة مع التوقعات الرهيبة للعديد من الاقتصاديين، ناهيك عن النقاد السياسيين لإدارة بايدن، فإننا لا نزال في وضع جيد بشكل لا يصدق.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»