بحكم ثقلها السياسي والاستراتيجي، فإن استقرار مصر وتعافيها اقتصادياً يشكل أهميةً كبيرة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط بكاملها، مما يعني أن أي تغيير يطالُها سيعني الكثيرَ للبلدان المجاورة، حيث تحرص دول مجلس التعاون الخليجي على ضمان ودعم الاستقرار.
وليس خافياً حجم الصعوبات الاقتصادية التي تعرضت لها مصر في الآونة الأخيرة لأسباب عديدة، يتعلق بعضها بجوانب اقتصادية هيكلية يمكن معالجتها، في حين يتعلق بعضها الآخر بالتطورات العامة المضطربة إقليمياً.
وسنتناول هنا بعض الجوانب الاقتصادية بصورة أساسية، فالأوضاع الاقتصادية في البلدان النامية على سبيل المثال تعاني عدم التناسب بين معدلات النمو والزيادة السكانية الكبيرة، وهو ما يخلق فجوة بين هذين الجانبين، إذ إن زيادةَ الموارد في ظل هذه المعادلة تتوزع مع مرور الوقت على أعداد أكبر من السكان، وهو ما يتطلب إيجاد التوازن المطلوب بين الزيادة السكانية، ومعدلات النمو من خلال سياسات تنموية ترمي إلى رفع نسب النمو الاقتصادي كي تستجيب لمتطلبات الزيادة السكانية.
ويشكل ذلك أحد الاختلالات الهيكلية التي تعانيها معظم الدول النامية، والتي تتوفر لها قدرات متفاوتة لمعالجته، وتتمتع مصر بفرص تؤهلها لتجاوز هذه الفجوة، وبالأخص بعد المساعدات الخليجية الكبيرة المقدمة لها، والتي كان آخرها حزمة الاستثمارات والمساعدات الإماراتية المهمة البالغة 35 مليار دولار، والتي وجدت لها انعكاساتٍ إيجابيةً مباشرة وسريعة، خصوصاً تعزيز الثقة في الاقتصاد، حيث قامت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني بتعديل نظرتها للاقتصاد المصري إلى نظرة إيجابية.
وفي هذا الجانب أيضاً أوصى بنك «جيه بي مورغان» بعد الدعم الإماراتي بشراء أذونات الخزانة المصرية، كما توجد مؤشرات قوية على عودة المستثمرين لسوق الأوراق المالية بعد الخطوات التي اتخذت في هذا الشأن، وذلك إضافةً إلى مبلغ 8 مليارات مقدمة من صندوق النقد الدولي، و7.8 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي، وتوقيع اتفاقية للشراكة الاستراتيجية بين مصر والاتحاد.. حيث أدت جميع هذه الخطوات إلى جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.
لذا تتوفر لمصر فرصة استثنائية لمعالجة معظم الصعوبات، ووضع الاقتصاد على طريق النمو السريع، كما يتيح ذلك معالجة الاختلالات الاقتصادية الهيكلية، وهي مسألة في غاية الأهمية لاستقطاب استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي الذي يسهم بدوره في تنمية العديد من القطاعات الحيوية، وتوفير المزيد من فرص العمل ورفع مستويات المعيشة.. فالدعم الإماراتي الأخير على سبيل المثال سيؤدي إلى وجود مشاريع جديدة تُصَنَّف ضمن المشاريع كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة، وهي مسألة مهمة لمعالجة مشكلة البطالة عبر زيادة معدلات التوظيف.
كما تقدم حزمة المساعدات الجديدة فرصاً أخرى تتيح دعم الجنيه المصري، حيث زادت التدفقات الدولارية بعد هذه التطورات، بما في ذلك تحويلات العاملين في الخارج وتوجه الحائزين المحليين الدولار نحو بيعه في البنوك المحلية.
وفي جانب مهم آخر، سوف يسهم الدعم في سد الفجوة المالية لمدة أربع سنوات وفق «جولدمان سكس»، وهو ما يؤكد ما سبق وأن أشرنا إليه بدايةً بضرورة معالجة الاختلالات الهيكلية للتقليل قدر الإمكان من الفجوات المالية التي تؤثر سلباً في العديد من المؤشرات، وبالأخص سعر العملة الوطنية، فالمساعدات الخليجية السابقة، وخصوصاً من الإمارات والسعودية والكويت، والتي تجاوزت 100 مليار دولار في السنوات العشر الماضية، أسهمت في استقرار الأوضاع الاقتصادية، بما في ذلك سعر العملة لأعوام عدة، وهي تجربة يمكن الاستفادة منها لمعالجة أية فجوات قد تنتج عن التراكمات السابقة، وهو أمر متاح بتوفر الدعم الخليجي والقدرات الاقتصادية الكبيرة التي يتمتع بها الاقتصاد المصري، بما فيها قدرات القطاع الخاص القادر على الإسهام في التنمية بصورة أكبر بعد إزالة العقبات التي تقف أمامه، وتقديم التشجيع اللازم له لاستقطاب استثماراته المتنوعة والمهمة للتنمية، وتوفير فرص العمل.

*خبير ومستشار اقتصادي