منذ اندلاع الحرب في غزة، أو بالأحرى بعد اندلاعها بأسبوعٍ أو أسبوعين، تلازمت الدعوات العربية والإسلامية لإيقاف الحرب مع دعوتين أُخريين: المساعدات وإعادة الإعمار، وإقامة الدولة الفلسطينية. وبعد الأصوات العربية تعالت الأصوات العالمية من الأمين العام للأُمم المتحدة، ثم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

إنما في الشهور الأخيرة علت الأصوات الأميركية والأوروبية كثيراً وتوجهت إلى العرب بالذات للتعاون والمبادرة. لقد انصبّت الجهود بين الأميركان والعرب طوال أكثر من شهرين على وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات. لكنّ التفكير في «الدولة» لم ينقض وارتبط بالتقدير حول مَن يحكم غزة بعد الحرب، وكيف يمكن إعادة ربطها بالضفة الغربية وبالسلطة في رام الله، بل والاهتمام بتجديد السلطة وإصلاحها لتتمكن من القيام بمهام التمهيد للدولة بعد طول خفوتٍ وتراجع. لقد ظلت هذه الجهود تتسابق مع جهود وقف إطلاق النار ومنع الحرب على مدينة رفح على حدود القطاع مع مصر.

إنّ الذي حدث أخيراً يضيف إلى جهود التفكير في الدولة جديداً. فمع زيارة وزير الخارجية الأميركي الأخيرة إلى السعودية ومصر وإسرائيل، اجتمعت اللجنة السداسية العربية بالجامعة العربية في القاهرة، وجددّت الدعوة للمبادرة العربية للسلام (2002) ولإنفاذ القرارات الدولية بهذا الشأن. وهو الأمر الذي أكدته اللجنة للوزير بلينكن عندما قابلته في القاهرة. واللجنة السداسية العربية العاملة من أجل فلسطين قديمة، لكنّ اجتماعاتها توقفت منذ وقت طويل بسبب التطورات السلبية خلال العقدين الماضيين. وهي تعود الآن للنشاط بالتناغم مع الأميركيين والأوروبيين.

والفكرة المستقرة أنه لمنع استمرار الحروب لا بد من أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وأهمها إقامة الدولة، وهو الأمر الذي أكد عليه العرب دائماً وبخاصةٍ في المبادرة العربية للسلام (2002) والتي جدّدوا ذكرها الآن. ما هي الخطوات الضرورية لجعل المشروع القديم- الجديد واقعاً؟ لا يزال بعض الأوروبيين (إسبانيا مثلاً) يتحدثون عن مؤتمر دولي. والمفهوم أن الولايات المتحدة وإسرائيل تعارضان ذلك. والمعروف أن الولايات المتحدة ظلت دائماً تريد الانفراد بحجة التمكن من التأثير على إسرائيل. ولذا يبدو أن فكرة المؤتمر الدولي، رغم جاذبيتها، لن تتحقق إلاّ لاحقاً عندما تكتسي الفكرة صيغةً وتصبح مشروعاً واقعياً.

والأميركيون يمشون خطوة خطوة ويفكرون حول ما يمكن إقناع إسرائيل به الآن، بينما حكومة إسرائيل الحالية ما تزال ضد الدولة الفلسطينية على العموم. ولذا هناك فكرة أو صيغة ثالثة إذا صحَّ التعبير: المبادرة المنفردة أو الجماعية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وهذا الجهد «الرمزي» قد يساعد على اكتساب العضوية بالأمم المتحدة بدلاً من صفة المراقب.

هل هذا مفيد؟ يمكن أن يكون مفيداً إذا تقدمت جهود السلطة الفلسطينية لإعادة التوحد وبناء المؤسسات. وهو الأمر الذي يبدو صعباً لمعارضة إسرائيل، ولأن الفلسطينيين مختلفون فيما بينهم (جدالات السلطة و«حماس» بعد تشكيل محمود عباس حكومةً جديدةً لملاقاة الأفكار الأميركية!). رغم الجهود الأميركية الحثيثة لوقف النار و قيام الدولة، فالذي يبدو أن الجانب العربي الذي يريد استعادة القضية هو مَن يملك إيضاح معالم الخطة إن وجد الأميركيون الشجاعةَ للتآزر في سياقٍ مشترك.

*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية