يواجه تطبيق «تيك توك» الصيني العملاق جدلاً كبيراً في الولايات المتحدة حول المخاوف بشأن خصوصية البيانات والمعلومات الزائفة، في وقت يتمتع فيه بشعبية كبيرة بين الشباب حول العالم، ويتفوق في الولايات المتحدة على «فيسبوك» و«إنستغرام» المملوكين لشركة «ميتا» الأميركية، ولأن معظم التطبيقات تجمع بيانات المستخدم، فإن السلطات الأميركية تتخوف من وصول البيانات إلى السلطات الصينية لاستخدامها في أغراض أمنية.

وتتعدّد المخاوف الأميركية من تطبيق «تيك توك» المملوك لشركة «بايت دانس» الصينية، فمنها السيطرة الصينية على التكنولوجيا العالمية في وقت تتضخم فيه الشركة الصينية، والتجسّس على المجتمع الأميركي بجمع كمية هائلة من البيانات مع احتمال حصول الحكومة الصينية على البيانات واستخدامها في أمور استخبارية أو تجارية، إضافة إلى الرقابة في نشر المحتوى، واستخدام التطبيق في الدعاية للصين ونموذجها، والتأثير على الأطفال والمراهقين، لما للتطبيق من شعبية بين المراهقين في الولايات المتحدة، لكن الصين تتهم الولايات المتحدة بالمبالغة، وإساءة استخدام سلطة الدولة لقمع الشركات الأجنبية، بعدما حُظر التطبيق في بعض المكاتب الفيدرالية الأميركية، بما في ذلك البيت الأبيض ووزارات الدفاع والأمن الداخلي والخارجية، عقِب تمرير مجلس النواب الأميركي تشريعاً يحظر استخدام «تيك توك» في الهواتف التابعة للدولة.

ويمكن استخدام «تيك توك» أداةً في الدعاية، وقد يكون سلاحاً قويّاً في أوقات الصراع، خاصة مع القدرة على الوصول للمعلومات وإمكانية استخدامه في نشر سردية معينة، إضافةً إلى التأثيرات المدمرة التي يخلّفها تطبيق «تيك توك» على الصحة العقلية للمراهقين، فيما أن كل هذه المخاطر لا توجد في تطبيق واحد بعينه، وإنما يمكن ربطها بكل وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الولايات المتحدة تركز فقط على «تيك توك»، وإنْ لم يبدأ الهجوم على التطبيق أو محاولات حظره هذه الأيام، وإنما بدأت منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بعد شكوك حول المخاطر الأمنية للتطبيق.

وتندرج الخطوات الأميركية في إطار تأثير «تيك توك» على الأمن القومي الأميركي، وحساسية أمن البيانات للدولة ومواطنيها، لكن سياقها الآخر الحرب التجارية، وحرب الرقائق وأشباه الموصلات.

والقرار السريع في مجلس النواب الأمريكي، بتوافق نادر بين الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي»، ليس بريئاً من التأثير السياسي والتخوفات من استقطاب الشباب في عام الانتخابات الأميركية، وإمكانية التأثير على الناخبين وتشكيل الرأي العام.

لقد حقّقت شركة «بايت دانس»، إيرادات بقيمة 110 مليارات دولار عام 2023، ولديها مستخدمون في الولايات المتحدة يُقدَّرون بنحو 170 مليون أميركي، وهذا عائق أمام حظر التطبيق في الولايات المتحدة، بما يمكن اعتباره «قوة ناعمة» صينية، وقدرة على التأثير في سلوك الآخرين، وإذا كانت موارد القوة الناعمة متعدّدة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي من أخطر الأدوات في عصرنا الحالي، فالتواصل الاجتماعي بات يمثّل الكثير من حياة البشر، ودخول هذه المنصات إلى التنافس الصيني- الأميركي المحتدم يبرِّره استطاعة «تيك توك» الانتشار الواسع في فترة وجيزة، مع تركيزه على فئة الشباب والمراهقين، بينما سبقت الولايات المتحدة العالم إلى هذا المجال، لكن «تيك توك» تفوّق في صناعة التكنولوجيا الرقمية في العالم.

ومن المؤكد أن التنافس الصيني- الأميركي في أدوات التكنولوجيا الرقمية سيزداد، هذه الأدوات أضحت من محدِّدات الصراع الدولي، ومن غير المتوقع أن تنجح السلطات الأميركية في حظر «تيك توك» كليًّا، حتى لو أثّر على الانتخابات، فأدوات التكنولوجيا الحديثة تكسر الحظر، فيما يمكن للحظر، إن أُقرّ، التأثير بشكل كبير على التطبيق، خاصة إنْ اتَّبع حلفاء الولايات المتحدة التوجه نفسه، لكن الحظر قد يفتح المجال أمام بعض الدول لحظر تطبيقات أخرى، قد تكون أميركية، للأسباب ذاتها.

*باحث رئيسي – رئيس قسم الذكاء الاصطناعي ودراسات المستقبل- مركز تريندز للبحوث والاستشارات