لم يكن الهجوم على صالة احتفالات كروكاس في ضواحي موسكو يوم الجمعة الماضي حدثاً عابراً، بل عمليةً إرهابيةً حملت أصداءَ مزلزلةً تناقلتها جميع وسائل الإعلام العالمية، كما أنها ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها تنظيم «داعش» وحلفاؤه روسيا أو مصالح روسية في الخارج، ففي عام 2015 أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليتَه عن تفجير طائرة روسية في مصر كان على متنها 224 شخصاً، وفي عام 2017 أعلن مسؤوليتَه عن هجوم في محطة مترو أنفاق سان بطرسبورغ الذي سقط ضحيته 15 شخصاً.
وفي عملية ضواحي موسكو الأخيرة طغت نظريةُ «المؤامرة الاستخباراتية الغربية» في أوساط إعلامية صنعت هذا الزخم المضاد للغرب بأجندات فكرية يطول تفصيلُها. لكن نظرية المؤامرة الاستخباراتية الغربية أمر يجب تنحيته جانباً في الوقت الحالي أمام الخطر الأكبر المحدق في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأكمله وهو خطر الإرهاب الذي ما يزال قائماً ويواصل تثبيتَ أقدامه مسجلاً حضورَه بين الحين والآخر، بانتقاله من منطقة إلى أخرى وتنفيذه عمليات مفاجئة كما فعلت «داعش خراسان» حين قامت بتفجير قاعة الاحتفالات الموسيقية (كروكاس سيتي) في روسيا، وفق حسابات سياسية قديمة وحديثة لا علاقة لها بالدوافع الاستخباراتية الأميركية وتوظيف الإرهاب لمواجهة موسكو جراء الحرب الأوكرانية. فـ«داعش» نبتة إرهابية تترعرع في مناطق الصراع، وتتبدد عندما تواجهها قوى متمكنة كما فعلت روسيا في سوريا، وهو الأمر الذي يجعل روسيا هدفاً رئيساً للتنظيم الإرهابي. فالدور الروسي في تدمير مراكز القوى الإرهابية والجماعات المتطرفة في مناطق متعددة من سوريا، ودعم الحكومة السورية خلال سنوات الأزمة السورية.. كل ذلك كان سبباً لإثارة حنق «داعش» ضد روسيا ولجعله يستهدفها بعمليات إرهابية مثل هذه. 
أعذار متعددة يروج لها بعض المؤيدين والمنتمين لهذه الجماعات علناً أو سراً، ولكن النتيجة واحدة وهي أن علاقة الجماعات الإرهابية بالعنف الدموي وبأساليب التفجير والتخريب هي علاقة وجود تحت ذرائع دينية لا تمت للإسلام بصلة. والواقع يقول إن هذه الجماعات أرعن من أن تبرر لإرهابها على أرض الواقع، فهي تقتل وتفجر وتحرص على إبقاء إرهابها تحت مظلة العنف والتكفير، ومؤيدوهم يبررون ذلك بالدفاع عن الدين! وبين هذا وذاك يتنامى العنف والتطرف والإرهاب وتختلط الأوراق على العقول البسيطة وتزدهر فكرة المؤامرة على الدين وتبقى هذه الجماعات في حالة كر وفر لتشكل خطراً وتهديداً لا ينبغي الاستخفاف بهما.
الجماعات المتطرفة تخدم الكيانات الدولية المتضادة، وهذا أمر لا لبس فيه، لكن اختزال كل حدث بالتوظيف الاستخباراتي هو ضرب من المبالغة أيضاً؛ فالولايات المتحدة مثلاً ليست بهذه السذاجة حين حذّرت موسكو من هجوم محتمل ضد تجمعات كبيرة في وقت سابق من الشهر الجاري، وهو التحذير الذي اعتبرته جهات روسية حيلةً دعائيةً ومحاولةً للتأثير على الانتخابات الروسية. وبعد الهجوم قالت واشنطن إنها لا تجد مبرراً للتشكيك في مسؤولية «داعش» عن الهجوم. ورغم ذلك لم تعترف روسيا بإعلان التنظيم، مع تصريحات متفرقة لمسؤولين روس حول تورّط أوكرانيا في الهجوم. هناك أربعة متهمين بأيدي الأجهزة الأمنية الروسية على ذمة المحاكمة في الـ22 من مايو المقبل، وحتى ذلك التاريخ نحن على موعد إما مع إطلاع العالم مجدداً على خطورة الإرهاب، أو على التوظيف السياسي المؤامراتي للحدث.

*كاتبة سعودية