في الثاني والعشرين من مارس الجاري، هاجم إرهابيون من تنظيم «داعش» قاعة حفلات في أطراف موسكو، فقتلوا أكثر من 130 شخصاً وجرحوا أكثر من 190 آخرين، ثم عمدوا إلى إضرام النار في المبنى. ويُعد هذا الهجوم الإرهابي أسوأ حادث إرهابي في روسيا منذ 20 عاماً، ويمثّل تحدياً كبيراً، لاسيما بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الرئيس فلاديمير بوتين بأغلبية ساحقة من الناخبين. 
ولئن اعترفت السلطات الروسية بأن المنفذين كانوا من تنظيم «داعش»، فإنها ما زالت تصر على وجود صلة لهم بأوكرانيا، وعلى أن حكومة زيلينسكي لها علاقة بالهجوم، وتوعدت بالانتقام، لكن المشكلة أنه خلال الأسابيع التي سبقت الهجومَ كان هناك تحذير من الاستخبارات الأميركية حول وجود تخطيط لمثل هذا الهجوم.
ويُعد هذا التحذير جزءاً من اتفاق دولي بين العديد من الحكومات لتحذير بعضها بعضاً في حال حصولها على أدلة حول حدث إرهابي يتم التخطيط له. وعلى ما يبدو، فإن موسكو تجاهلت أو رفضت التقرير الاستخباراتي، معتبرةً أن الولايات المتحدة وأوكرانيا تعملان بصورة ما ضدها. وأتت شكوك روسيا تلك في وقت صعّدت فيه قواتُها من هجماتها الصاروخية اليومية في أوكرانيا، وخاصة كييف وأوديسا. كما تكثف جهودَها حالياً من أجل استعادة الأراضي ميدانياً في وقت تعاني فيه أوكرانيا نقصاً في العُدّة والعتاد.
وتُظهر هجمات موسكو أن قدرة تنظيم «داعش» على إحداث الفوضى ضد أعدائه الكثُر لم تنته بعد، على الرغم من الخسائر الفادحة التي مني بها التنظيم في العراق وسوريا وأفغانستان على أيدي القوات الأميركية والعراقية والسورية والروسية، حيث قُتل زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي على أيدي القوات الخاصة الأميركية في سوريا في أكتوبر 2019.
وعلى الرغم من فشل حلمه في إقامة «دولة خلافة» في سوريا والعراق، فإن أمنياته بأن تستمر عملياته الإرهابية في جميع أنحاء العالم قد تحققت. ففي السنوات التي تلت مقتل زعيمه، امتدت عمليات تنظيم «داعش» من أفغانستان إلى إيران والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وروسيا. كما يُعتقد أن التنظيم كان مسؤولاً عن الهجوم الذي استهدف القوات الأميركية في 26 أغسطس 2021 أثناء عملية الإجلاء من كابول، والذي أسفر عن مقتل 13 جندياً أميركياً. ومن الواضح أن التنظيم نجح في تجنيد أنصارٍ له في آسيا الوسطى، إذ يُعتقد أن المشتبه بهم الذين أُلقي القبض عليهم في موسكو جاؤوا من طاجيكستان.
وفي وقت ما تزال فيه الأزمة في غزة تستحوذ على اهتمام العالم، يُخشى أن يكثّف تنظيم «داعش» جهودَه لاستهداف كل من الدول الغربية وروسيا، وبعض البلدان في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، عمدت فرنسا في أعقاب هجوم موسكو إلى رفع حالة التأهب الأمني، تحسباً لاحتمالية وقوع حادث إرهابي في أراضيها إلى أعلى مستوى. ويذكر هنا أن فرنسا ستستضيف النسخة الثالثة والثلاثين من الألعاب الأولمبية، خلال الفترة ما بين 28 أغسطس و8 سبتمبر من هذا العام. والعديد من الفعاليات الرياضية المتنوعة الـ32 المقررة ستقام في باريس وما حولَها، إذ تقضي الخطة بالاستفادة إلى أقصى حد ممكن من الفضاءات المفتوحة العديدة في المدينة، بما في ذلك إقامة فعاليات في نهر السين الذي جرى تنظيفه، وجعله آمناً للسباحة. ويكتسي أمن الألعاب أهميةً قصوى، وستشكّل حماية مثل هذا التجمع الكبير من المتنافسين والمتفرجين من حول العالم تحدياً كبيراً لقوات الأمن الفرنسية.
والجدير بالذكر هنا أن دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في ميونيخ عام 1972 تعرضت للتشويه بشكل مميت نتيجة الهجمات الإرهابية التي نفّذها تنظيم فلسطيني ضد رياضيين إسرائيليين مشاركين في الألعاب. ومؤخراً، كانت هناك مخاوف من إمكانية أن يتسبب تنظيم «داعش»، وربما تنظيم «القاعدة» أيضاً، في عرقلة مباريات النسخة الأخيرة من كأس العالم.
وختاماً، فإنه يمكن القول بأنه طالما استمرت القوى الكبرى في تكثيف تنافسها وعدم الثقة ببعضها بعضاً، فإن احتمالات اتخاذ تدابير منسّقة وفعّالة لاحتواء «داعش»، والتنظيمات المتطرفة الأخرى ستظل ضئيلة. 

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست - واشنطن