يوم الجمعة 22 مارس، تعرضت موسكو لهجوم إرهابي أسفر عن مقتل 137 شخصاً. وأثناء حديثه عن هذا الهجوم بعد بضع ساعات، ورغم أن تنظيم «داعش» أعلن على الفور مسؤوليته عن الهجوم، تحاشى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذكر التنظيم الإرهابي، مشيراً بدلاً من ذلك إلى علاقة مع أوكرانيا. وفي الأثناء، تم توقيف 4 أشخاص من طاجيكستان، مما يؤكد فرضية «داعش»، وخاصة أن هذا الأخير لم يسبق له أن أعلن بطريقة انتهازية مسؤوليته عن هجوم لم ينفّذه.
وهناك عدة أسباب يمكن أن تفسّر استهداف تنظيم «داعش» الإرهابي لروسيا، أسباب تمتد من الصراع في الشيشان إلى تدخل روسيا في سوريا ضمن تحالف كبير ضد «داعش» لحرمانه من قاعدته الإقليمية. تحالف دولي اتّحد داخله الروس والغربيون والدول العربية. صحيح أن الدول الغربية وروسيا على طرف نقيض في موضوع أوكرانيا، إلا أن كليهما مستهدَف من قبل «داعش»، وبالتالي كانت لهما مصلحة في التعاون في هذه القضية.
وواضح أن الولايات المتحدة كانت قد حذّرت فلاديمير بوتين من أن «داعش» ربما يخطط لشن هجوم، لكن الرئيس الروسي رفض هذه الفرضية معتقداً أنها فخ من فخاخ التواصل هدفه إعطاء الانطباع بأن موسكو في خطر. والحال أن تخطيط «داعش» لمهاجمة روسيا حدث بالفعل وكان من الممكن التحقق منه، وخاصة أن الأمر يتعلق في هذه الحالة بالفرع الموجود في أفغانستان (داعش خراسان) حيث جاءت حركة «طالبان» وجرّدته من القاعدة الإقليمية التي كان لا يزال يحتفظ بها. 
إذن، تنظيم «داعش» كان يريد أن يُظهر أنه ما زال قادراً على الضرب رغم خسارته لكل قواعده الإقليمية، سواء في سوريا أو العراق أو أفغانستان.
ولكن، لماذا يشير فلاديمير بوتين بأصبع الاتهام إلى أوكرانيا وليس إلى «داعش»؟ الدافع في الحقيقة هو حسابات سياسية: ذلك أن القول، إن تنظيم «داعش» هاجم روسيا يرقى إلى اعتراف بالضعف، وخاصة داخل الأجهزة الأمنية. الأجهزة الأمنية نفسها التي ضللته في الواقع حينما أكدت أن الحرب في أوكرانيا ستكون سهلة، ولكن أيضاً بخصوص قضية إيفجيني بريغوجين.
بطبيعة الحال، لا وجود لأمن مطلق أو «صفر خطر» في ما يتعلق بالإرهاب. غير أنه في الحالة الراهنة، من الواضح أن أجهزة الاستخبارات الروسية كانت مركزة على أوكرانيا والمعارضة الداخلية، ولم تأخذ التهديد الإسلامي في عين الاعتبار كما ينبغي.
بتصويبه أصبع الاتهام نحو أوكرانيا، يريد فلاديمير بوتين أن يضفي مصداقية على حقيقة أن روسيا تتعرض لهجوم مما يسميه «الغربَ الجماعي» وأن أوكرانيا لها علاقة بذلك، حتى وإن لم تكن لذلك أي مصداقية على الإطلاق. والحال أن أوكرانيا ما كانت لتقدم على مثل هذه المخاطرة أبداً. ثم إن التحقيقات تنجح دائماً في تعقب أثر الهجمات والتوصل إلى الفاعل. ولو كانت أوكرانيا متورطة في هذه الهجمات، لخسرت كل الدعم الغربي في حربها ضد روسيا. وصحيح أن أوكرانيا قد لا تكون غير سعيدة بشأن مصائب روسيا، ولكن ليس إلى حد المخاطرة والإقدام على مثل هذه المجازفة عبر تنظيم هجوم أو المساعدة فيه.
لهذا يُتوقع أن يصبح فلاديمير بوتين أكثر تشدداً، كما ستشهد روسيا بكل تأكيد موجات من الاعتقالات، وكذلك هجمات على أوكرانيا، والتي تكثفت بالفعل خلال الأسابيع الأخيرة. بل إن صاروخاً روسياً عبر الأراضي البولندية لفترة قصيرة. وعليه، ينبغي أن نراقب عن كثب كيف سيتطور هذا التصعيد.
ارتباط الغرب وروسيا في الحرب ضد «داعش» يتطلب بالفعل تبادلاً للمعلومات الاستخباراتية وتعاوناً أمنياً ضد الإرهاب، ولكن هذا لا ينفي الخصومات الموجودة، وخاصة بخصوص أوكرانيا. أما بالنسبة لفرنسا، فإن الهجمات تذكرنا بهجمات نوفمبر 2015 وتؤكد على أهمية التدابير الأمنية التي ينبغي اتخاذها بمناسبة الألعاب الأولمبية، وهو ما يبدو بالفعل أنه يمثّل أولوية بالنسبة للمنظمين.
ورغم هذا الهجوم، فإن الروس لن ينفضوا من حول فلاديمير بوتين. بل على العكس، إذ من المرجح أن يزداد دعمهم له ولسياساته. فهذه هي ردة الفعل الطبيعية لبلد يكتوي بنار الإرهاب: إذ يميل الناس عموماً إلى الالتفاف حول الزعيم أو رئيس الدولة، بغض النظر عن البلد أو النظام. وعادة ما تؤدي مثل هذه الهجمات إلى طفرة في الشعور الوطني.
*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس