بعد سقوط جسر «فرانسيس سكوت كي» في منتصف الليل في بالتيمور، ركز الصحفيون بحق على الضحايا. لفت انتباهي عنصر واحد من القصة: الرجال الثمانية الذين كانوا يعملون بلا كلل لإصلاح الحفر بين عشية وضحاها كانوا جميعاً مهاجرين من جواتيمالا وهندوراس والسلفادور والمكسيك. بهدوء، في الساعات الأولى من الصباح، قاموا بمهمة لم يقم بها أي شخص آخر. ومن بين الثمانية، نجا اثنان فقط.
واختار الصحفيون الذين يغطون المأساة أن يرووا حياة هؤلاء المهاجرين المفقودين. تحدثوا عن صراعاتهم اليومية وأحلامهم. وأجروا مقابلات مع أقاربهم المكلومين.
قال «كارلوس سوازو ساندوفال» لمراسل شبكة «سي بي إس»، متذكراً آخر مرة رأى فيها شقيقه ماينور: «لو كنت أعرف، لم أكن لأسمح له بالذهاب إلى العمل. كنت سأوقفه». وأضافت «نورما سوازو»: «أخي هو محرك هذه العائلة».
وبعد عقود من العيش والعمل في المنطقة، أصبح المهاجرون جزءاً من بالتيمور.
العمال مثل ماينور سوازو ساندوفال هم أيضاً محرك الاقتصاد الأميركي. لقد كانت القوى العاملة المهاجرة منذ فترة طويلة محركاً حاسماً لمختلف الصناعات. على سبيل المثال، في غياب المهاجرين، ستتوقف صناعة البناء والتشييد التي يعمل المهاجرون فيها بمخاطر شخصية كبيرة.
ومع ذلك، يتم تحديد الهجرة على نحو متزايد، باعتبارها قضية مثيرة للقلق بين الناخبين الأميركيين. في الأسبوع الماضي، وفي ظل حزن بالتيمور، أصدرت مؤسسة جالوب تقريراً شاملاً عن القضايا المتعلقة بالأميركيين في عام الانتخابات هذا. وتضمن الاستطلاع سؤالاً مفتوحاً يطلب من المشاركين تحديد «أهم مشكلة تواجه البلاد اليوم». وأشار 28% منهم إلى الهجرة، ووضعوها في مرتبة أعلى من التضخم أو الفقر.
لقد برز الخطاب العنيف المناهض للمهاجرين بشكل بارز في السياسة الأميركية منذ ما يقرب من عقد من الزمن. في عام 2015، في وقت مبكر من حملته الرئاسية، وصف دونالد ترامب المكسيكيين - الذين يشكلون معظم المهاجرين وأحفادهم في الولايات المتحدة - بالمجرمين. ومنذ ذلك الحين، لم يستسلم. وفي طريقه إلى انتخابات عام 2024، صرح ترامب بأن المهاجرين «يسممون دماء البلاد».
لماذا اكتسبت ديماغوجية ترامب قبولاً لدى الناخبين الأميركيين؟ ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المهاجرين يكدحون في الخفاء.
قال لي «جون روزناو»، مزارع الألبان في ولاية ويسكونسن، عندما أجريت مقابلة معه خلال إدارة ترامب: «صناعتنا لا وجود لها من دون العمالة المهاجرة». وأضاف: «80% من الحليب في مزارع ولاية ويسكونسن يساهم في إنتاجه المهاجرون. إذا أبعدت المهاجرين، فإن أكثر من نصف المزارع سيتوقف عن العمل».
إن الآلاف من عمال المزارع الذين يدعمون مزارع مثل مزرعة روزناو، أو الحقول الشاسعة في كاليفورنيا، يفعلون ذلك بهدوء، وغالباً ما يتم تجاهلهم. كم عدد سائقي السيارات المارة أمام أطقم إصلاح الطرق الذين يعترفون بهم حقاً؟ من السهل جداً اعتبارها أمراً مفروغاً منه.
يتحمل الإعلام بعض المسؤولية. وفي الولايات المتحدة، تطغى القصص المتعلقة بأزمة الحدود على تلك التي تسلط الضوء على المساهمات اليومية الأساسية للمهاجرين. هذه الاختيارات التحريرية لها تداعيات. لو أن قصصاً كتلك التي حدثت لطاقم إصلاح الطرق في بالتيمور وعائلاتهم قد رويت في وقت سابق، لكان الرأي العام الأميركي مختلفاً بعض الشيء. وإذا حصل المهاجرون على الاعتراف والكرامة التي يستحقونها في الخطاب الوطني الأميركي، فإن مهمة الديماجوجيين ستصبح أكثر صعوبة.
أولئك منا الذين حظوا بشرف سرد هذه القصص يفهمون عمقها وتعقيدها، وإنسانيتها وأهميتها الأخلاقية. لا يوجد ترياق أفضل للكراهية والتضليل.
لكن هذا العمل يجب أن يبدأ الآن. وإذا واصلنا انتظار الأحداث الكارثية لتسليط الضوء على قصص أشخاص، مثل عائلات بالتيمور الست المكلومة، فإن التصور العام لنضالاتهم وتطلعاتهم سيظل دون تغيير. سيكون ذلك مأساة أميركية.

ليون كراوز
صحفي ومؤلف ومذيع أخبار مكسيكي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»