ممثلو اليسار الأميركي الجديد راديكاليون بمعايير السياسة الأميركية، لكنهم لا يستطيعون ادعاء الابتداع. فقد طورت الديمقراطيات الصناعية الأخرى نموذجاً رأسمالياً أكثر عدالة وتعاطفاً، ويرى اليسار الأميركي أن كل ما تحتاجه الولايات المتحدة هو النظر إلى الخارج لنعرف كيفية تطبيق هذا. إنهم محقون، لكن من الحكمة أن يعملوا بما يقولون وينظروا عن كثب إلى هذه النماذج الأجنبية الناجحة.
وقد تختلف الآراء بشأن حجم الحكومة الملائم وبشأن من يجب عليه دفع الضرائب لدعم هذا، لكن نموذج دولة الرفاهية الأوروبي يجدي نفعاً بوضوح.
لكن الاتفاق في الآراء يستقر على أمرين، وخاصة في الدول التي طبقتها بأكبر نجاح. وأحد الأمرين هو الاحترام للمنافسة الهادفة للربح. والثاني هو توافر درجة كافية من التضامن الاجتماعي. لكن اليسار الأميركي الجديد لم يعجز عن رؤية هذين الأمرين فحسب بل يعارض كلاهما. فالتقدميون الأميركيون يشيدون بالدنمارك والدول الأوروبية الشمالية الأخرى بسبب نسبة الضرائب المرتفعة والخدمات الاجتماعية السخية والرخاء الشامل الذي يعمها.
ومعظم دول شمال أوروبا تتبنى وجهة نظر أقل خصاماً من كثيرين في اليسار الأميركي فيما يتعلق بالعلاقات بين العامل وصاحب العمل. وتتبع ألمانيا تقليد وجود ممثلين عن العمال في مجالس إدارات الشركات. لكن على خلاف نظرائها في الولايات المتحدة- أو في بريطانيا في هذا الشأن- لا تنظر النقابات الألمانية إلى نفسها باعتبارها تلعب مباراة يكون المكسب فيها لطرف خسارة للطرف الآخر.
اليسار الأميركي الجديد يهاجم فكرة الهوية الأميركية المشتركة. على حين أن أكبر قوة للولايات المتحدة تمثلت في غايتها المدنية أي تكريس نفسها الرسمي للمشروع المشترك الذي أرساه الدستور.
ويستطيع اليسار الجديد تأسيس جاذبيته على الوعد التقليدي ببناء اتحاد أكثر كمالًا. وإذا فعل هذا، فهو يتبع خطى أكثر الإصلاحيين التقدميين نجاحاً في تاريخ البلاد. لكنه بدلاً من هذا، يدافع عن قائمة أولويات مثيرة للشقاق بين الأميركيين. فهو يرى أن البلاد قامت على التطهير العرقي والجشع والعنصرية والنفاق الهائل!

*كاتب متخصص في الاقتصاد والتمويل
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»