أميركا اللاتينية، بها سبع من بين أسوأ 25 مدينة في قيادة المركبات في العالم. والبرازيل وحدها بها ثلاث من هذه المدن، وهي ساو باولو وريو دي جانيرو وبيلو هوريزونتي. لكن لحسن الحظ، المنطقة تقبل بشدة على استيعاب الابتكارات التكنولوجية الحديثة. فالبرازيليون من أكثر المستخدمين حماساً للهواتف الذكية. والبلاد هي ثاني أكبر سوق لتطبيق «أوبر». ولذا، فلا غرابة أن يتنافس على المسافرين عمالقة تطبيقات النقل بالدراجات النارية على الإنترنت مثل «بيرد» و«جرو» وغيرها.
ورحب نشطاء البيئة وخبراء الحضر، وهم محقون في هذا، بانتشار تطبيقات النقل بالدراجات النارية. فهل هناك أفضل من مركبة صغيرة ذات عجلتين كي تخفف انبعاثات أميركا اللاتينية من الكربون وتخفف حدة تكدس حركة السير؟ لكن في البرازيل، وبسبب صناع السياسة والأكاديميين الذين يحملقون في الماضي، والوكالات المنظمة التابعة للدولة التي تسيطر عليها جماعات الضغط والشهوة السياسية، فإن الإضافات الأنيقة لأعمال التخطيط الحضري تعتبر في الغالب مغامرة مكلفة للأثرياء.
وهذا ليس في صالح المسافرين، في مدن كبيرة مثل ريو دي جانيرو وساو باولو، الذين ينفقون 75% من الوقت أكثر من الضروري في الانتقال، وفقاً لمارتا جونزاليس، من قسم الهندسة البيئية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا. وريو هي الأكثر إهداراً لوقت الانتقال بالمواصلات، في مقارنتها بخمس مدن كبيرة في العالم، هي بوسطن وسان فرانسيسكو وريو ولشبونة وبورتو البرتغاليتين. والذين يعتمدون على وسائل المواصلات الجماعية هم الأسوأ حظاً. صحيح أن نظام قطارات الأنفاق في أميركا اللاتينية سريع وكفوء نسبياً، لكنه لا ينقل إلا 10% من المسافرين في وسائل النقل العامة في المنطقة، والبالغ عددهم 200 مليون مسافر. وهذا يترك القسط الأكبر من الركاب في وسائل النقل العام، ليستقلوا الحافلات سيئة السمعة التي تصفها العامية البرازيلية بأنها «علب كبيرة»، والمشقة تتزايد كل عام.
وشهدت ساو باولو، زيادة في أسطول حافلاتها بنحو 28% منذ عام 2006. ورغم هذا، نجد أن أسطول الحافلات صغير للغاية أمام أسطول السيارات الخاصة في المدينة، البالغ عدده سبعة ملايين سيارة. لكن الحافلات القديمة، التي تستهلك الديزل بكميات كبيرة، مسؤولة عن نصف انبعاثات ساو باولو من أكسيد النيتروجين. وتوصل باحثون إلى أنه باستبدال أسطول الديزل الذي عفا عليه الزمن بمركبات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود أو الحافلات الكهربائية، تستطيع سلطات المدينة أن تقلص الكربون والانبعاثات الأخرى التي تنفثها المركبات. لكن بحلول عام 2018، لم تشكل حافلات ساو باولو الكهربائية إلا 2% فقط من الحافلات. وانتبه البرازيليون، ولذا أقروا في المجلس التشريعي عام 2012 «السياسة القومية للنقل الحضري»، وهو قانون يخول للحكومات المحلية وضع استراتيجيات نقل حضرية. لكن بحلول 2018، لم يلتزم بهذا إلا 10% فقط من المدن الكبيرة. ولذا فلا عجب أنه لا يحصل فعلياً على خدمة نقل عامة سريعة إلا نحو الربع فحسب من سكان مدينة ساو باولو البالغ عددهم 20 مليون نسمة تقريباً.
وهذا فشل في الرؤية لدى من هم في القمة. والسبب الآخر هو تعطيل الاستثمارات، فقد أظهرت دراسة للاتحاد القومي لشركات النقل الحضري، أن الغالبية العظمى من استثمارات النقل في العقد الماضي ابتلعها تمديد خطوط جديدة للمترو، وإقامة طرق للحافلات السريعة. ويرى بابلو سيرديرا، مدير مركز التكنولوجيا والمجتمع في مؤسسة جيتوليو فارجاس، أن «قوانينا التنظيمية وصناعة السياسة محافظة ومتحيزة نحو السيارات والحافلات. نحتاج إلى الابتكار وتغيير هذا، لكن لدينا تقليد بيروقراطي يعمل في صف اللاعبين الحاليين، وليس في صف الوافدين الجدد». ويعتقد محللون أن وجود قطاع خاص تنافسي قد يساعد في إصلاح شأن النقل العام.
والدراجات النارية، لن تنقذ ريو أو أحياءها المكدسة مرورياً من القرصنة والتخطيط الفاشل، لكنها قد تساعد في هذا. وتشير بيانات لتطبيق «جرو» لدراجات ريو أن عدد الدراجات والمستخدمين ارتفع عشرة أمثال حتى الآن هذا العام. والدراجات تمثل بديلاً جيداً يستطيع نقل المسافرين من المحطة الأخيرة للحافلة أو قطار الإنفاق إلى مكان العمل أو المنزل. وسعرها منخفض كثيراً عن الدراجات الكهربائية، التي تعتبر وسيلة نقل راقية يفضلها المسافرون أصحاب التوجه الأخضر في البرازيل. والمدن البرازيلية يمكنها أن تصبح أفضل بتخفيف اللوائح على راكبي الدراجات وتكنولوجيات النقل التي تحسن أداء حركة السير.
*كاتب متخصص في شؤون أميركا اللاتينية
ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»