يقرر كثير من النيجيريين كل عام، أن أفضل وسيلة لتحقيق التقدم والتغيير تتمثل في البحث عنهما في بلد آخر. ولذا ينطلقون عبر الصحراء نحو ليبيا، بغرض الوصول إلى أوروبا، وكثير منهم لا يصلون إلى نهاية الرحلة. وهذا العام وحده، رحلت منظمة الهجرة الدولية من ليبيا أكثر من 340 نيجيرياً إلى بلدهم. ومنذ عام 2015، أعيد أكثر من 40 ألف مهاجر إلى بلدانهم الأم من ليبيا التي تشيع فيها إساءة معاملة المهاجرين. ويسرت الحكومة النيجيرية العودة، مع الوعد بإعادة دمج العائدين وخلق فرص عمل لتقليص عدد الراغبين في الهجرة.
وممن رحلتهم المنظمة «أدينيكي» التي عادت إلى نيجيريا في وقت مبكر من العام الماضي، فحصلت على دعم وأقامت متجراً في مقر سابق لـ«الحزب الشعبي الديمقراطي» هو عبارة عن سقيفة باللون الأخضر مكتوب عليها باللون الأبيض شعار الحزب. ويقع المتجر في شارع ضيق وقبالته إعلانات سياسية كبيرة تعد بالتقدم والتغيير، في إطار الحملة الانتخابية للرئيس النيجيري محمد بخاري ونائبه يمي أوسينباجو.
وتذكر أدينيكي أنها نُقلت إلى ولايتها الأصلية أوجون عند عودتها. ورحب بها المسؤولون ووعدوا بمساعدة العائدين إذا أرادوا مواصلة الدراسة، وبأنهم سيمولونهم إذا أرادوا تدشين نشاط اقتصادي. لكنها لم تحصل إلا على خمسة آلاف نيرا (ما يعادل 14 دولاراً) لتعود إلى منزلها. ومتجرها الحالي أصبح حقيقة ليس بفضل المساعدات الحكومية، بل بفضل منحة صغيرة من وكالات أجنبية. والآن تجلس في متجرها في جنوب غرب مدينة ساجامو، تبيع فيه علب السردين وعبوات الحليب والمشروبات وغيرها. فقد تم تدشين مجموعة برامج لإعادة تأهيل العائدين وتدريبهم، بالشراكة بين منظمة الهجرة الدولية والحكومة النيجيرية وصندوق الطوارئ من أجل أفريقيا التابع للاتحاد الأوروبي، الذي ظهر عام 2015 في ذروة أزمة الهجرة عبر المتوسط.
وخصص الصندوق أكثر من 120 مليون يورو (132 مليون دولار) لنيجيريا لمشروعات يقصد بها معالجة الأسباب الأصلية للهجرة العشوائية؛ من خلق فرص العمل إلى منع الصراعات وإبقاء المهاجرين المحتملين في ديارهم. وجادل منتقدون بأن الصندوق في حاجة إلى المزيد من الشفافية لضمان الحصول على ما يكفي من الأموال للإنفاق على التنمية وليس أمن الحدود. وجادل آخرون بأن المساعدات الدولية حيوية، لكنها ليست إلا علاجاً قصير الأمد يخفي بعض التحديات التي تواجهها الدول في استيعاب مواطنيها العائدين.
ويتوقع أن تستمر «المبادرة المشتركة لحماية وإعادة دمج المهاجرين» التابعة لمنظمة الهجرة الدولية والاتحاد الأوروبي ثلاث سنوات، وكان مقرراً لها في البداية أن تقدم المساعدة لنحو أربعة آلاف عائد نيجيري. لكن الحاجة الآنية في نيجيريا هائلة.
وتقول ساسكيا كوك المسؤولة عن حماية ومساعدة المهاجرين في مكتب منظمة الهجرة الدولية في لاجوس، إنه «أثناء الشهور القليلة الأولى من المشروع، أقررنا الهدف المبدئي». وبين نوفمبر وديسمبر 2017 حصلت على طلبات مساعدة مما يقرب من خمسة آلاف عائد، بحسب قول كوك. وفي عام 2018، تعهدت بريطانيا بأن توسع مساعدات عملية إعادة الاندماج والتأهيل لتشمل 1700 عائد، عبر شراكة مع منظمة الهجرة الدولية والحكومة النيجيرية. وكانت أدينيكي واحدة من هؤلاء. وقبل توجه أدينيكي إلى ليبيا، كانت قد درست الاقتصاد في الجامعة القومية المفتوحة، لكنها لم تستطع أن توفر حتى الرسوم الدراسية. وكانت تأمل أن تحصل على عمل لتغطية أعباء دراستها. وبعد عودتها إلى بلادها كافحت كي تحصل على عمل بدوام كامل دون الحصول على درجة جامعية، واستطاعت في نهاية المطاف الحصول على عمل في تدريس لغة يوروبا والعلوم الاجتماعية لطلاب الصف الدراسي الأول. لكن الوظيفة لم تستمر إلا ثلاثة أشهر، لأن المدرسة لم تستطع دفع مرتبها الشهري. وحين اتصلت بها منظمة الهجرة الدولية لتقدم لها مساعدة لتدشين نشاط اقتصادي، شعرت أدينيكي بسعادة بالغة بعد أن كادت تفقد الأمل.
وفي نهاية عام 2017، ثار غضب حكومات ومنظمات غير حكومية حول العالم بعد تقارير لشبكة «سي. إن. إن» تؤكد أن كثيراً من المهاجرين الأفارقة، من بينهم نيجيريون، يجري بيعهم كعبيد في ليبيا. وأدى المقطع المصور، الذي انتشر على نطاق واسع وبسرعة، إلى صدور تعهدات من الرئيس بخاري بتعزيز الاقتصاد وفرص الحصول على الرعاية الصحية والتعليم، بهدف تقليص عدد النيجيريين الذين يشعرون بالحاجة لمغادرة البلاد.
وفي ميزانية البلاد لعام 2019، خصصت الحكومة النيجيرية 100 مليار نيرا (280 مليون دولار) لمشروعات تدخل إقليمية تتضمن جهود إعادة الاندماج للعائدين، وقدمت ولاية أيدو في الجنوب مخصصات شهرية للعائدين. وفي أغسطس الماضي، أنشأ الرئيس بخاري وزارة الشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث والتنمية الاجتماعية التي ستنسق عملية إعادة التأهيل والاندماج.
لكن صحفاً نيجيرية رصدت فساداً وسوء إدارة أموال بعض مشروعات التنمية. وعلى سبيل المثال، كشف الصحفي إينوسينت دورو الذي غطى زيادة عدد النيجيريين المهاجرين إلى ليبيا لصحيفة «ذي نيشن»، عن إساءة زعماء محليين إدارة الأموال المخصصة لإقامة برامج لتدريب العائدين. واستمرت الهجرة. وأشار كثيرون إلى تصاعد معدل البطالة في نيجيريا باعتباره سبباً لتركهم البلاد. ففي عام 2018، بلغت نسبة العاطلين عن العمل 23.1% صعوداً من 18.1% في العام السابق. ويرى دورو أنه إذا استمر المهاجرون في الرجوع إلى نيجيريا دون مساعدة أقوى، فسينحرف كثيرون منهم إلى عالم الجريمة أو سيغادرون نيجيريا مرة ثانية، إن لم يكن إلى ليبيا، فإلى بلد آخر.

*صحفية متخصصة في الشؤون الأفريقية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»