عبارة "الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا" هي الشعار المرفوع اليوم رمزاً للمسلمين أمام العالم المتقدم الحر، وتحت هذا الشعار يتخلى المسلمون عن واجب السعي لتحصيل العلم ومشاركة البشرية في إعمار حضارتها وإثرائها ويتركون هذا العمل لمن يسمونهم بالكفار.
كان مفهوماً أن يصاحب شعار الجهاد المسلمين الأوائل طوال عصر الفتوحات، وكان مفهوماً وإن لم يكن مقبولاً قيام الفقه الإسلامي بتنظيم قواعد الجهاد وتقنينها من حيث نسب توزيع الغنائم والفيء والمملتكات الخاصة بالمهزوم المفتوح، مع وضع قواعد لتنظيم الجباية وطرقها من زكاة إلى جزية إلى فدية لتوضع في بيت المال تحت سلطة الخليفة الذي يقوم بالتوزيع طبقاً للشريعة على العرب وحدهم، لأن أبناء الأمم المغلوبة كانوا هم الغنيمة بشراً ومالاً ومتاعاً، كانوا هم من يدفعون.
لقد فشل الجهاد اليوم عند استدعائه من قبل الصحوة الإسلامية ليضرب بني وطنه وملته سلباً ونهباً وقتلاً بعد أن لم تعد للجهاد أهداف واضحة تطلب التحقيق كما كان في الزمن الماضي في فتوح البلدان أو نشر إسلام بالقوة المسلحة، وهو ما انحرف بهذا الجهاد بسرعة ليتحول إلى حروب مافيا عصابية وعمليات سطو مسلح.
يتساءلون عن الهجمة الأميركية، أو بالأحرى الدولية على بلادنا، دون أن يتبادلوا المواقع ليرونا وقد رفعنا راية الجهاد الذي يقتل بلا تمييز ويقطع الرقاب باسم الله ويذبح الأبرياء ويفجر المصلين الأتقياء، ويدمر في أميركا وأسبانيا والهند وروسيا والسعودية ومصر والعراق. قتال يقوم على كراهية المختلف عنا في العقيدة وقتله، قتال موصوم بالنهب وهتك العرض وفرض الجزية واحتلال الأرض استيطانياً وتوطين العرب في البلاد المفتوحة وتبديل الدين واللغة.. ترى من سيسمح لنا أو للعالم بالعودة إلى ذلك الزمان؟ السؤال شديد البساطة والإجابة أبسط، لأن العيب والمصيبة هي في القانون والتشريع الذي يشرع كل هذا، لأن قوانين اليوم ليس فيها حر وعبد، ولا مولى وسيد قرشي، ولا رجل وامرأة، ولا مسلم وذمي، وهو وإن اعترفنا به كجزء من إسلامنا لا نستطيع إنكاره، فإنه كان يليق بزمانه لا بزماننا، لأن من يفعل ذلك اليوم لم يرتق بعد رتبة الإنسان، ولا شك أن قانوننا هذا يفسر لنا سر حرصهم على التفوق العلمي والتسليحي حتى لا يكون مصيرهم كما كان مصير مصر أو فلسطين أو العراق بعد الفتوح.
إن سادتنا المشايخ بإصرارهم على التحالف مع الميليشيات العسكرية الإسلامية الدولية يصرون على إعادتنا إلى القرن السابع الميلادي، إلى زمن القوة والبطولة العربية، يمسحون وعي شبابنا عبر كل الوسائل المتاحة إعلاماً وتعليماً تحت نظر السلطات، وبعد أن يكثر هؤلاء الشباب ليرفعوا السلاح في وجه وطنهم نحاربهم ونحاكمهم ونقلتهم! ترى من القاتل الحقيقي؟ إن العالم المتحضر لن يمانع في عودتنا إلى أي قرن نشاء، لكن شريطة ألا نتسبب بالضرر لحضارته وقيمه وتقدمه. وبإمكان هذا العالم مساعدتنا على العودة السريعة إلى زمننا المجيد لنعيش أيام السلف كما كانوا في القرن السابع. بإمكان هذا العالم المتحضر أن يمنع عنا علومه ومنتجاته، أن يمنع المطابع لنعود للكتابة على سعف النخل، وأن يمنع عنا التلفزيون لنتسلى بالحديث الحميم. إن ما لدينا من بنية أساسية، من مواصلات، مصانع، محطات مياه ومصارف مجارٍ، وجسور، ومخابز، ومحطات كهرباء، وسكك حديدية، يمكن للغرب القضاء عليها في أسابيع بكروز وأخواته وتوماهوك ورفاقه والقنبلة الذكية وبقية الأسرة الكريمة. بإمكانه أن يحقق لنا الأمنية وأن يعيدنا إلى عصر الأجداد.. أو إلى زمن الكهوف، وأن يحصرنا زماناً ومكاناً ليتقي شرنا، وهو مع ما يتحقق اليوم من مستحيلات، بإمكانه أيضاً أن يتحقق إن فشلت المساعي العالمية في تطوير شأننا، وإن فشلنا نحن في مساعدة أنفسنا.