من المشكلات الخطيرة المرتبطة بالخلل في التركيبة السكانية، مشكلة البطالة التي يبدو أنها تتزايد في صفوف المواطنين، عاماً بعد عام. فرغم كل ما يقال عن خطط "توطين" العمل، ومنح فرص أكبر وأوسع للمواطن كي يسهم في العملية الإنتاجية، وفي بناء اقتصاد الوطن، ورغم كل التوجيهات من المسؤولين كي يقبل القطاع الخاص على مزيد من توظيف المواطنين، حيث ما يزال هؤلاء يشكلون أقل من 2% من إجمالي العاملين في القطاع الخاص، فما تزال المشكلة تتفاقم، وما تزال التوجيهات والخطط تصطدم بظروف سوق العمل المكرسة وظروفه الراسخة.. ولعل خطورة البطالة تتضاعف حين ترتفع نسبتها بين جيل الشباب من الخريجين والخريجات. وليست مشكلة البطالة بين الشباب خصوصاً، مجرد مشكلة مادية، ولو كانت كذلك فقط لكان الأمر أهون، غير أن ما يترتب على بطالة فئة الشباب، ذكوراً وإناثاً، هو المزيد من الآثار السلبية اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، وهو ما يضعنا في أوضاع أشد صعوبة، فنصبح في حاجة إلى حلول للمزيد من المشكلات. وذلك كله لأن ما نقدمه من حلول لمشكلات البطالة هو نوع من "المُسكِّنات" التي توقف الألم مؤقتاً، لكنها لا تزيله جذرياً. تبرز مشكلة البطالة بين الشباب من خلال مظاهر عديدة، ومن خلال مظاهر شاذة لدى الجيل الطالع من شبابنا، خصوصاً من تتوفر له إمكانيات البذخ والترفيه الفائض عن الحاجة، سواء في التعامل مع السيارات الفارهة، أو الموضات العجيبة الغريبة في كل شيء. وفوق ذلك كله نستطيع رصد المشكلة بوضوح وعلى نحو ساطع في المواقع الإلكترونية التي يستخدمها الشباب لطرح مشكلاتهم، والمطالبة بالحلول، حيث يصطدم المتصفِّح لمئات المواقع بنقاشات تحتشد بالسخرية السوداء مما يجري في سوق العمل، والشروط التي تفرضها الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص، بما في ذلك المؤسسات المتخصصة بتشغيل الأيدي العاملة، حيث تتضح الشروط المجحفة بحق المواطن لصالح العمالة الوافدة، من جهة، ومن جهة ثانية تتضح الآثار السلبية لهذه الشروط على الحالة النفسية للشباب، خصوصاً لجهة الفراغ القاتل الذي يخلقه ذلك في حياة هذه الفئة من أبنائنا، وما يؤدي إليه من مشكلات اجتماعية خطيرة، من جهة ثالثة. ولو تأملنا في ما ينشره الشباب على منتديات ومواقع الشبكة العنكبوتية من شكاوى، بعضها حقيقي والآخر ساخر أو سخيف، لوجدنا أن مساهمات شبابنا الخليجي في هذه الظاهرة تمثل المساهمة الأكبر بين أشقائهم العرب، ويدل هذا -أول ما يدل- على حجم الفراغ الذي يعاني منه هؤلاء الشباب، كما يدل أيضا -وربما هذا هو الأخطر- على المستوى المتدنِّي ثقافياً، والتفكير السطحي للغالبية ممن يشاركون في نقاشات هذه الشبكة، رغم أن أعمار غالبيتهم تشير إلى سن التعليم الجامعي فما فوق، فلماذا هذا المستوى المتدني ثقافياً؟ وهل البطالة هي المشكلة، أم أنها نتيجة لهذا المستوى المتدني، أم أنها سبب ونتيجة في آن؟ هذا بخصوص بعض مشاكل الشباب الناجمة عن البطالة، وهم الفئة الخالية من المسؤوليات في أغلب الأحيان، فماذا عن فئات أخرى تتحمل مسؤوليات أبناء وعائلات، والآثار السلبية على صعيد المتطلبات المعيشية والتعليمية وغيرها من أساسيات الحياة؟ فهل تستطيع الأسرة الإماراتية تحمل ذلك كله في ظل "بطالة" رب الأسرة؟ وهل تستطيع كل أشكال المساعدة والضمانات التي تقدمها الدولة لمواطنيها أن تغنيهم عن العمل الشريف والدخل الثابت الكافي والمستقر؟ إن الأمن الوظيفي هو شقيق الأمن المعيشي للفرد والمجتمع، ومن لا يأمن على وظيفة تقيه شر العوز والحاجة، لا يمكن أن يشعر بالأمن المعيشي، بل قد يشعر بوجود مخاطر تهدد حياته، فقد بات مستوى الجريمة بأشكالها المختلفة في ازدياد، وهنا لا نشير إلى البطالة بين المواطنين فقط، فهذه مشكلة خطيرة بالتأكيد، ولكن نشير إلى بطالة بين فئات من الوافدين يمكن أن تدفع إلى ارتكاب الجرائم، سواء كانت جرائم السرقة أو القتل وأشكال الاعتداء المختلفة. هذه بعض المشكلات الناجمة عن مظاهر الخلل في التركيبة السكانية، وهي مشكلات تجذرت في تربة البنية الاقتصادية والاجتماعية، وأنتجت هذه البنية الهشة التي نقوم بمعاينتها، ومحاولة إيجاد الحلول لتغييرها. وبما أن المشكلات التي تعاني منها هي مشكلات متجذرة، فلابد من حلول جذرية، أي تطال جذور المشكلة لا فروعها ونتائجها، وهي تبدأ من تصحيح البنية القائمة، ولو على المدى البعيد، وضمن مخطط استراتيجي يكفل ذلك، أما الحلول الآنية والسريعة فهي قد تحل مشكلة صغيرة فتخلق مشكلات أكبر وأعمق أثراً. ولذلك فالبداية الحقيقية هي من تعليم أبنائنا وتأهيلهم وتثقيفهم، ثم توجيههم إلى ما تحتاج إليه السوق والمجتمع، ليكونوا قادرين على تحمل المسؤوليات في البناء والتعمير، بما يسمح لنا بالاستغناء -تدريجياً وقدر الإمكان- عن العمالة الوافدة، والاعتماد على الذات.