متابعة لقضية الخلل في التركيبة السكانية، وما يتعلق بها من قضايا فرعية، وما ينتجه هذا الخلل من سلبيات ومشكلات في حياتنا، نتناول اليوم قضية مهمة وعلى اتصال بالقضية الأساس، وهي عمل المرأة الإماراتية ودورها ومشاركتها في الحياة العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحجم هذه المشاركة، وما علاقة عمل المرأة -أو عدم عملها- بحجم الخلل، وكيف يمكن لعمل المرأة أن يسهم في التخفيف من الآثار السلبية للخلل المذكور؟ نتناول هذه القضية اليوم، ونحن نسمع ونقرأ يومياً عن خطط لتفعيل دور المرأة، وتنشيط مساهمتها في المجتمع، من خلال خطط واستراتيجيات كثيرة، وآليات لتفعيل الخطط أيضاً، ولكننا ننظر في الواقع العملي لمجتمعنا، فنكتشف أن هذا كله ليس سوى "كلام جرايد" كما يقال، فلا شيء حقيقة يتغير بالمعنى الجدي للتغيير. إن ما يقال عن خطط لدعم مساهمة المرأة الإماراتية مثلاً، يقابله -في أرض الواقع- "استيراد" آلاف الأيدي النسائية العاملة من مناطق العالم شتى، وفي بعض الأحيان نحن "نستورد" الأيدي العاملة التي يمكن تأمين بديل لها من الداخل، ولكن ذلك يتطلب عملاً دؤوباً وشروطاً مختلفة عما هو قائم. فمثلاً نحن نستقدم معلمات مدارس، أو عاملات في حقل البنوك والمصارف والمستشفيات، مع أن لدينا أعداداً من الخريجات في هذه المجالات وغيرها، لا تتم الاستفادة منهن لأسباب مختلفة، منها في الأساس الشروط الوظيفية التي تقبل بها العاملة القادمة من الخارج، ولا ترضى بها المواطنة، لذلك فإن صاحب العمل يفضل "استيراد" هذه الكفاءات من الخارج، مع أنه لو تم تطبيق القوانين الخاصة بتوطين الوظائف في القطاعين العام والخاص، لما حدثت هذه الأزمة. هذا الواقع يتطلب التساؤل عما تريده المرأة الإماراتية من الوظيفة، ومن العمل عموماً، هل هو مجرد الراتب الذي ستحصل عليه، حتى لو كان متدنياً بعض الشيء، أم أن دورها هو أن تسهم في خدمة مجتمعها وتعمل على حل أزماته، من خلال مشاركتها الجادة والعملية، حتى لا تتحول إلى مجرد رقم في المجتمع، وتفقد الدور والفاعلية المنوطين بها؟ إنها قضية مُعقدة وذات أبعاد متداخلة ومتشابكة، فعطالة المرأة المتعلمة وذات الشهادة عن العمل يمكن أن تولد مشكلات خطيرة، فهذه المرأة غير العاملة قد تتحول إلى عبء على أسرتها وعلى المجتمع، من ناحية، كما أنها، من ناحية ثانية، تصبح آلة استهلاكية لا عمل لها ولا همَّ سوى أن تعيش حياة البذخ والترف، ما يعني أن مشكلتها مضاعفة، فبدلاً من أن تكون شهادتها وكفاءتها في خدمة المجتمع، تتحول هي وما تملك إلى عدو للمجتمع، هذا العدو المتمثل في حياة الاستهلاك التي تشيع صورتها في مجتمعاتنا الخليجية، حيث صورة المرأة فيها هي صورة ترتبط بالأسواق الضخمة و"المولات"، واقتناء أحدث العطور والجواهر وموديلات الملابس، أكثر من ارتباطها بالعمل والمكاتب. هذا أمر يطرح علينا سؤال تعليم المرأة وتمكينها، فما الذي يُفيدنا تعليم المرأة وحصولها على أعلى الشهادات، إذا كان مصير هذا العلم بيت الزوجية، حيث لا مكان ولا مكانة للمرأة سوى المطبخ؟ (ولا ننسى بالطبع أهمية التعليم في تربية الأبناء، ولكن هذا دور تقوم به حتى النساء العاملات والناشطات في المجتمع، وهو موضوع بحث آخر). وهل تخسر الدولة أموالاً طائلة على تعليم المرأة، من أجل أن تنتهي في زاوية هامشية بلا أي دور أو مشاركة فاعلة؟ وما فائدة التفاخر بأن تعليم المرأة في الإمارات يعد من أعلى النسب في العالم العربي، إذا كان هذا التعليم ينتهي بالحصول على الشهادة والركون إلى البيت وأعماله؟ إن مشاركة المرأة في بناء المجتمع وازدهاره، لا تتعلق فقط بمقدار العائد المادي الذي تحصل عليه، فكثيرات هن من يحصلن على مراتب ومرتبات عالية جداً، لكن دون أن يكون لهن دور حقيقي في البناء، خصوصاً الفئة التي تصرف ما تحصل عليه مقابل عملها في مجال التسوق والبذخ، في حين أن الوضع الطبيعي أن المرأة يجب أن تعمل وتنتج وتشارك، بصرف النظر عن حجم المردود المادي. الوضع الطبيعي هو النظر إلى إنتاجية المرأة ومساهمتها، من منطلق رغبتها هي في المشاركة، وتثقيفها وتوعيتها بدورها، وتعريفها بحقوقها، حيث يغدو عمل المرأة حقاً وواجباً في آن. آخر ما اطلعنا عليه في هذا المجال، مثلاً، هو وضع المرأة في "أجندة السياسة العامة لأبوظبي"، التي تعد "المشاركة الكاملة للمرأة في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية في أبوظبي عنصراً أساسياً لتحقيق التقدم والازدهار والحداثة"، وفي هذا الإطار تم الحديث عن "إنشاء هيئة خاصة تعنى بقضايا المرأة للتعاون مع جميع الدوائر والهيئات في حكومة أبوظبي لحماية وتفعيل الدور المهم الذي تضطلع به المرأة في البيت والعمل والمجتمع عامة". ولكن هذا قد يبقى "حبراً على ورق"، ما لم تكن النوايا تتجه إلى عمل حقيقي يثمر واقعاً جديداً على الأرض.