يقول "نادر فرجاني" الباحث في الحقيقة الاجتماعية، إن هناك فرقاً بين مفهوم التنمية البشرية، المعتمد عالمياً، وبين ما يفترضه هو من مفهوم للتنمية الإنسانية. فالأولى تعني البشر كمخلوقات، بينما ترتقي لفظة "الإنسانية" بمفهوم التنمية المستهدفة. وعليه تصبح التنمية الإنسانية هي المعنى الأكثر ارتقاءً بحاجات الفرد وطموحاته وتجاوز وضعه كوسيلة فقط لرفاه المجتمع إلى كونه غاية ومحوراً لها ونتساءل: ماذا تقدم مؤسسة الدولة العربية بوجه عام، لأبنائها الذين تستثمرهم في تنظيم وتطوير وإعلاء هذه المؤسسة الاجتماعية/ الدولة ؟ وبصياغة مرادفة منحازة لإنسانية المواطن العربي: هل ما نطلق عليه "شبكة الأمان الاجتماعي" هي، واقعياً، شبكة متداخلة ومنتظمة ومُحكَمة تلفُّ الوجود الإنساني العربي وتضمن له استمراراً وتنامياً، وتقدم له إشباعاً حقيقياً لحاجاته الأساسية؟ خلق الإنسان حُراً إنه يحتاج إلى مناخ يستنشق فيه الحرية بتجلياتها ومعانيها كلها: حرية التعبير وحرية العيش، حرية التنقل وحرية اختيار مفردات حياته. خلق الإنسان ليعيش مع جماعات متشاركة في المسؤولية عن استمرار الكون وإعماره، كما أراد الخالق سبحانه وتعالى. فهو يحتاج إلى وجود اجتماع يشارك في صنعه، وفي تشييد حركة بناء هذا الواقع الاجتماعي. خلق الإنسان من ذكر وأنثى بينهما تزاوج على المودة والرحمة. خلق الإنسان ليعمل بعقله وبيديه لإعمار الأرض، فهو يحتاج إلى الإبداع والإنتاج.. ذلك كله وغيره مما لا تتوقف الأمثلة أمامه، يحتاجه الإنسان من مؤسسات المجتمع الذي يحيى بين ظهرانيه حتى يتحول هذا التنظيم المجتمعي إلى شبكة أمان وتراحم ينعم في داخلها كل مواطنيه بحياة حرة كريمة متنامية بلا تراخٍ، متآخية بلا بغضاء تؤدي بالناس إلى التدافع، أحياناً، في طريق يعادي القانون الذي ينظم حياتهم، وتتحول ساحات القضاء أو "ساحات بيوتنا" إلى منازلات لا يحسمها صراع الحق والباطل. إن القراءة المحلِّلة في واقعنا العربي تجعلنا، وإن تفاءلنا أمْيل أحياناً إلى جانب التشاؤم حول الإنسان العربي وتنميته المنشودة التي يسعى منظرونا إلى تعميقها في العقل والوجدان، آملين أن تتحول إلى مواكب من البهجة يختلط فيها واقعنا ومستقبلنا. وهنا بعض الأمثلة المتسائلة: - هل ينعم أبناؤنا وأشقاؤنا في بعض ديارنا العربية بالحرية في مجرد إبداء الرأي وحسب؟.. وإذا كانت الإجابة بـ"نعم.."، فمن يقبع في بعض سجون الكلمة الحرة في دول عربية شقيقة؟ - هل تتاح لجميع أبناء العرب الفرصة المتكافئة في التعليم والمعرفة؟ إذا كانت الإجابة بـ"نعم.."؟ فليخبرني أحدكم كم هي نسبة الأمية الأبجدية بين شعوبنا العربية ونحن نعيش نعيم القرن الحادي والعشرين العملاق، ونعيش كذلك تسابق المعرفة والتقنية بما قد يباري سرعة التقاطنا لأنفاسنا. - هل هناك علاقة طردية بين تسابقنا كعرب في ارتفاع بناياتنا الإسمنتية وبين شعورنا بانتقاص وتقزيم في إنسانيتنا داخل بعض أوطاننا العربية؟ إذا كانت الإجابة بـ"لا.." فمن يفسِّر صمتنا العربي على انتهاك مقدساتنا واغتيال طفولتنا في أرضنا العربية المستباحة؟ - إذا كنا أمة عربية مسلمة ونبني أسراً متراحمة، فمن ينبئني عن علة التزايد في معدلات فراغ الأسرة من محتواها الديني والاجتماعي: أقصد العُنوسة أو الطلاق؟ - إذا كانت مؤسساتنا التي تضبط حركة العلاقات بين أفراد المجتمع.. فلماذا بدت حالات النصب والاحتيال تكاد تمثل الظاهرة في مجتمعاتنا العربية؟ وأطرح عليكم آخر الأسئلة الحيْرى.. أين هي شبكات الأمان المزعومة التي لو اكتمل نسْج وفعْل وجودها بيننا، لما عانيت وطرحت الأسئلة السابقة أصلاً؟ اجتهدوا معي هدانا الله إلى ما فيه خيرنا جميعاً.