استتباعاً لعمودنا السابق الخميس 1/11/2007 نعيد فتح الملف لذات الحوار: أين منطقة الخليج من الحداثة.. وما بعد الحداثة.. والعولمة؟ ألا يجوز طرح هذا التساؤل في شكل مؤتمر ثقافي حميم غير إعلاني ولا إعلامي، بل مؤتمر يبحث بالفعل في القضية المطروحة، ويحدد في نهايته الإجابة على هذا التساؤل المهم. إنها مرحلة من حياة أهل الخليج لابد أن تدرس علمياً وأكاديمياً. لابد أن تنطلق الدراسات في هذا المؤتمر من الواقع الحقيقي الفعلي للقاعدة العلمية بمنطقة الخليج. وإذا كانت العلوم الحديثة في الغرب نفسه بدت اليوم وكأنها عاجزة عن إحداث النتائج الدراماتيكية التي ظلَّ علماؤهم يعِدونهم بها فذهبوا إلى درجة التشكيك في هذه العلوم وخاصة العلوم الاجتماعية وكذلك التجريبية، ولكن وبرغم هذا الفشل في العلوم الذي يواجهه الغرب إلا أنه يسارع إلى تصحيح أخطائه، ولكن المصيبة أن أخطاءه لم تقع على قارعة الطريق الغربي، بل امتدت أخطاؤه التراجيدية إلى البيئة العالمية في عمومها فهو يدمر كما ذكرنا (الأرض والطبيعة والمناخ). أعود وأقول يجب علينا أبناء الخليج أن نقف على أرضية علمية صلبة، ونعود للتفكير في علومنا ومناهجنا وهذه الفوضى الغير منظمة في مجال كل أنظمتنا التعليمية، وكيف ستواجه أجيالنا المستقبل، وما نوع العلوم التجريبية أو الاجتماعية التي ستحملها في عقولها لتواصل بها بناء مجتمع الخليج وصيانته وحمايته. نحن بهذا الطلب لا ندخل الصراع الدائر اليوم الذي اختلف علماء الغرب على تسميته هل هو حوار أم صراع؟ هل هو ثقافي أم حضاري؟.. نحن بالرغم من أننا طرف مهم في هذا الحوار والصراع ولكن أداءنا ليس بذي قيمة كافية، وربما ليس بذي قيمة على الإطلاق، لأننا ما زلنا نعيش حالة الانكسار المعرفي على كل المستويات، ولم ندخل بعد آلة الإنتاج المعرفي الحقيقي، وربما مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الأخيرة هي النقلة المعرفية الجديدة.. إلا أنني هنا أعود وأركز على الخليج ثم الخليج ثم الخليج، نحن الآن ينبغي أن نواجه أنفسنا. ينبغي أن نواجه منظومة المعرفة لدينا... أن نواجه إنتاجنا العلمي.. نحن من ينبغي أن يعيش حالة معرفية وعلمية عميقة (ليست دعائية وليست إعلامية) وليست ابتسامات ولقاءات في هذه المؤتمرات المزدحمة كما هي شوارعنا... في الخليج. وبالطبع فهذا التصور والمطلب يحتاج إلى الكثير من إعادة النظر في المفاهيم الخاصة بحضارتنا وثقافتنا وإنتاجنا المعرفي سواء كان التاريخي القديم عند عصور النهضة العربية الإسلامية، أو ما تلاهما من إنتاج معرفي في كافة فنون الثقافة والعلوم التجريبية والاجتماعية والفلسفية. هذه الخطوة تؤكد على أن المجتمعات المتحضرة لا تستطيع فرض وجودها الحضاري وتقدمها التقني والاقتصادي والاجتماعي بهذه العودة إلى الإنتاج المعرفي وخلق فرص الحوار مع الآخر وليس الصراع كما هو حاضر وحادث الآن، فالحضارات الغربية بكل تقدمها التقني تفرض وجودها بالقوة والصراع والحرب وإسالة الدم في أرجاء العالم، فهي تعلم أنها بهذا الصراع فقط تستطيع فرض نفسها وثقافتها وحضارتها، مما يؤكد ذلك الكتابات التي تصدر في الغرب نفسه كصموئيل هنتنجتون مثلاً وغيره، والكتابات المضادة لها التي تصدر في الشرق والجنوب سواء في الدول الآسيوية أو دول أميركا الجنوبية أو إفريقيا، وكذلك لا ننسى مساهمات الكُتاب العرب في ذلك كمساهمات عبدالعزيز التويجري ومحمد الجابري وقبلهم جميعاً مالك بن نبي. أحسب أن أدق المفاهيم والكتابات العربية جاءت في كتاب مالك بن نبي (عن الثقافة العربية والثقافات الأخرى) حيث أكد على أن (الثقافة نظرية في السلوك وليس في المعرفة) فإذا ما استشهدنا لأفكار الصراع والحوار من هذا المدخل المعرفي فسنجد ما نؤكد عليه في بداية هذا المقال أن المصطلحين يعتمدان على مميزات السلوك الخاصة في كل مجتمع والمكونة لثقافاته. فلنجعل انطلاقة رؤيتنا من هذا المدخل ولنجعل مبادرات تيار المعرفة الجديد الذي قدمه لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو نافذة الانطلاق إلى مجتمع المعرفة.