درج البعض هذه الأيام على الحديث عن الصين والهند كما لو كانتا نسختين إحداهما عن الأخرى. وكثيراً ما نسمع أنهما الدولتان الماضيتان إلى التفوق على غيرهما من دول العالم، أي أنهما المتنافستان على التفوق الدولي، بعد قرون من الهيمنة الغربية. وضمن ذلك ينظر إليهما البعض كما لو كانتا استجابة شرقية وافية لأجيال متلاحقة من النجاح الاقتصادي الغربي. وهناك من يتحدث عنهما باعتبار وحدتهما العضوية في المخيلة العالمية. لكن من أراد أن يكتشف زيف هذه التوأمة بين الدولتين، فما عليه إلا أن ينظر إلى رصيد كل منهما من ميداليات أولمبياد بكين الأخيرة. فقد احتلت الصين المركز الأول بحصدها 47 ميدالية ذهبية. ثم عليه أن يجيل النظر في مجموعة الدول الصغيرة المنتمية للأسرة الدولية؛ مثل جامايكا، بيلاروسيا، وجورجيا التي مزقتها الحرب، وصولاً إلى زيمبابوي الآيلة للانهيار، وحتى منغوليا، قبل أن يصل إلى وطني الهند الذي لم يحصل إلا على ثلاث ميداليات، إحداها ذهبية والثانيتان برونزيتان. ليست في هذه النتيجة ثمة مفاجأة. فقد كافحت الصين وعلى نحو منظم من أجل تحقيق النجاح الأولمبي منذ عودتها إلى حلبة المنافسة بعد سنوات من العزلة الرياضية. وفي المقابل ظلت الهند راضية مستسلمة لقدرها الرياضي. وبينما دفعت الصين بكل ما استطاعت في سبيل الفوز بفرصة استضافة الأولمبياد وتنظيمها بعد عقدين من عودتها إلى حلبة التنافس الأولمبي، يلاحظ أن الهند اكتفت باستضافتها للأولمبياد الآسيوية في نيودلهي عام 1982. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من المراقبين للاعتقاد بأن حظ الهند من استضافة الأولمبياد العالمية، أصبح أبعد بكثير مما كان عليه قبل عقدين ماضيين. وبالمقارنة نفسها يلاحظ أن الصين وضعت نصب عينيها ما أطلق عليه قادتها الرياضيون تسمية "مشروع 119" -مع ملاحظة أن الرقم 119 يشير إلى عدد الميداليات الذهبية التي أحرزت في أولمبياد سدني في كل من سباقات العدو بمختلف أشكالها ومستوياتها، وكذلك سباقات السباحة والتجديف والكانوي/كاياك وغيرها. أما الهند فقد تساءل مسؤولوها وقادتها الرياضيون عما إذا كان ممكناً لهم تحقيق سقف الميداليتين السحري الذي لم تتجاوزه مطلقاً دولتهم العملاقة! وفي حين تمكنت الصين من خلق فريق لها من العدم لسباقات الكاياك غير المعروفة لديها من قبل، وتمكنت من حصد ميداليات ذهبية فيها للمرة الأولى، يلاحظ أن الهند تقاعست عن ممارسة ما يلزم من ضغط لتضمين بعض الرياضات التي يتقنها لاعبوها جيداً مثل البولو والكابادي، وهذا الأخير شكل من أشكال رياضة المصارعة. يجدر بالذكر أن هذه الرياضة كان قد تم تضمينها إلى أولمبياد عام 1900 ثم حذفت بعدها تماماً من قائمة المنافسات الأولمبية. ويمكن القول إجمالاً إن ما حدث من فارق كبير في عدد الأولمبياد التي حصدتها كل من الصين والهند، يعكس إلى حد كبير طبيعة الفارق الأساسي بين نظامي كلتا الدولتين. فالصين دولة أوتوقراطية شيوعية، طبقت نهج إدارتها وتنظيمها للأولمبياد اعتماداً على تراتب عسكري صارم تصدر فيه القرارات من أعلى الهرم القيادي إلى أسفل القاعدة. وبموجب ذلك النظام، تمكنت الصين من تحديد أهدافها الأولمبية، ووضعت برنامجاً خاصاً لتنفيذها، ثم وفرت له ما يحتاجه من موارد مالية حكومية هائلة، فضلاً عن توظيفها للتكنولوجيا المتقدمة وجلبها خيرة المدربين الرياضيين العالميين. أما الهند فقد كان شأنها في التخطيط لهذه الأولمبياد، شأن أدائها في كافة المجالات الأخرى، حيث تسود روح الهواية وعدم الاحتراف، وحيث تغفل البيروقراطية القابضة مهامها ودورها الأساسي. وفي ظل واقع كهذا عادة ما يختلط عدم الحماس ونقص الهمة القيادية الرياضية، بضعف القدرة التنظيمية وعدم حرفيتها. وهذا هو حالنا في الهند للأسف. تلك هي الفوضى الخلاقة للرقص والغناء الجماعيين على طريقة عروض موسيقى "بوليوود" الهندية. وتقابل هذه الفوضى الانضباط الصيني العالي في تصميم الرقصات ودقة أداء الراقصين على نحو ما شاهدناه بعيوننا في مراسم افتتاح وختام أولمبياد بكين. ويكاد هذا الفارق ينعكس على كل شيء في واقع الأمر بين البلدين. فإذا ما أرادت الصين بناء طريق سريع جديد بستة مسارات، فإن في وسعها هدم جميع المباني والقرى التي تعترض بناء ذلك الطريق. أما في الهند، فإذا أردت توسيع طريق قائم بإضافة مسارين جديدين فحسب، فإن على الأرجح أن يقعد بك هذا الطموح في قاعات المحكمة لبضع سنوات في جلسات ماراثونية لا تنتهي بسبب التعويضات المالية التي يتعين عليك سدادها للمتضررين من توسيع الطريق. وفي الصين تحدد الحكومة الأولويات الوطنية، ثم تقوم بتمويلها وتنفيذها. أما في الهند، فتحدد المصالح الخاصة الأولويات الوطنية عبر سلسلة لا حد لها من الجدل والمناقشات، بينما يستبسل الكل في الحد من سهمه في التمويل. وبينما يلاحظ أن الاستثمارات الحكومية هي التي تمثل القوة الدافعة للنمو الاقتصادي الصيني، نجد أن على استثمارات القطاع الهندي الخاص، أن تتحايل ما استطاعت على العقبات الكأداء التي تضعها أمامها البيروقراطية الحكومية، وأن تلتف ما وسعها الالتفاف على الوصاية التي تفرضها عليها الحكومة، قبل أن تساهم في تغيير أحوال الناس وأوضاعهم بشق الأنفس. وفي أولمبياد بكين أكثر من غيرها، تجلت هذه الفروق واضحة كعين الشمس. فقد عاد مجموع لاعبي التنس ورافعي الأثقال والعدائين والمصارعين والملاكمين الهنود الذين شاركوا في الأولمبياد بخفي حنين تقريباً، عدا عن البرونزيتين اليتيمتين اللتين أحرزوهما. أما الذهبية الوحيدة فكانت في رماية الرجال لـ10 أمتار، وهي من نصيب رجل الأعمال الشاب "أبهيناف بيندرا" البالغ من العمر 25 عاماً –يعمل مديراً تنفيذياً لإحدى شركات التقنية المتقدمة- وقد حصدها بجهده الخاص بعيداً عن أي دعم حكومي كان. ورغم قصور النظام الهندي وعوائقه، فإن الهند تظل وطناً للتميز الفردي، في حين يعد التميز الفردي في الصين ثمرة للنظام السياسي في مجمله. وهكذا يتضح الفارق بين تفكك الديمقراطية الهندية ووحدة إرادة النظام الشيوعي الصيني. شاشي ثارور وكيل سابق للأمين العام للأمم المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"