انطلق مسلسل الرعب والفظاعات في مومباي يوم الأربعاء الماضي، ما يمثل تجربة قاسية بالنظر إلى تاريخ هذه المدينة المعلَمة التي تعرف بأنها بوابة الهند. فمنذ أن شيد في 1911 يقف القوس الرائع شامخاً كرمز لانفتاحها؛ حيث تعكس الأعداد الكبيرة من الناس الذين يتجمعون من حوله يومياً تنوع الهند وغناها العرقي، إذ يمكن للمرء أن يشاهد رجالًا من طائفة "البارسي" يخرجون من أجل ممارسة حصة المشي المسائية المعتادة، ونساءً مسلمات بلباسهن المحافظ يتمتعن بنسيم البحر، ونادلي المقاهي والمطاعم المنحدرين من ولاية "جوا" يأخذون قسطاً من الراحة بعد ساعات من العمل في فندق تاج محل الفاخر، والهندوس من كل أرجاء البلاد يتحدثون إلى بعضهم بعضاً بما لا يحصى ولا يعد من اللغات. واليوم، تجد بوابة الهند -المدخل إلى الهند وإلى روحها- نفسها محاطة بحواجز الشرطة وممنوع دخولها أو خروجها، في شهادة صامتة على أحدث هجوم يستهدف ديمقراطية البلاد التعددية. والحال أن الإرهابيين الذين كانوا حسب روايات عدد من الشهود يحملون حقائب ثقيلة محملة بالأسلحة أثناء صعودهم درجات الرصيف للشروع في هجومهم على فندق تاج محل، على غرار زملائهم في عدد من المواقع الأخرى عبر المدينة، كانوا يعرفون ماذا هم فاعلون. فقد كان هدفهم الهجوم على المركز العصبي المالي للهند وعاصمتها التجارية، المدينة التي ترمز إلى الهند حين اقتحمت القرن الحادي والعشرين بقوة. ومن خلال مهاجمة مومباي، ضرب الإرهابيون اقتصاد الهند وسياحتها وطابعها الدولي، واستغلوا انفتاح المدينة على العالم لتوجيه ضربة قوية وموجعة حقاً! لقد استهدفوا رموز الرخاء التي جعلت النموذج الهندي جذاباً بالنسبة للعالم المعولم - الفنادق الفخمة، المقاهي العصرية، الشقق الفندقية التي يقصدها الأجانب. كما سعى الإرهابيون أيضاً إلى دق إسفين الفرقة والانقسام بين الهنود من خلال زعمهم بأنهم إنما قاموا بما قاموا به من أجل تصحيح ولفت انتباه العالم إلى ما يلحق بمسلمي الهند من حيف ومظالم، الحقيقي منها والمتخيل. ولكن عبر عملهم على عزل واستهداف البريطانيين والأميركيين والإسرائيليين، أظهروا أن نوع التعصب الإسلامي الذي يتبنونه لا يستند إلى الدين بقدر ما يستند إلى الكراهية. واليوم، تتوالى التعليقات المنفعلة وتتدفق مثل الدماء: الإرهاب غير مقبول؛ الإرهابيون ليسوا سوى شرذمة من الجبناء؛ العالم يقف متحداً في تنديده بهذه الفظاعات؛ هذا بينما ذهب عدد من المعلقين في الولايات المتحدة إلى اعتبار مذبحة مومباي بمثابة حادي عشر من سبتمبر هندي. والحال أن الهند سبق أن عاشت العديد من المحاولات من هذا القبيل، وبخاصة الهجوم الذي استهدف البرلمان في 2001 والذي كاد يؤدي إلى حرب شاملة مع "الراعي" المزعوم للمهاجمين، باكستان. وهذا العام لوحده حصدت قنابل الإرهابيين الأرواح في جايبور، وأحمد أباد، ودلهي وفي عدد من الأماكن في ولاية "أسام". لقد اضطر الهنود في السابق إلى تجرع أفظع فظاعات عنف الإرهابيين منذ أن خلص بعض الأشخاص الخبثاء في دول الجوار إلى أن استهداف الهند وتركها تنزف حتى الموت أقل كلفة وأكثر فعالية من محاولة هزيمتها في حرب تقليدية؛ حيث تبين بعد توالي الهجمات أنها ممولة ومسلحة وموجهة من أطراف في الجانب الآخر من الحدود. ولئن كانت مجموعة تسمي نفسها "ديكان مجاهدين" -أي "مجاهدي الجنوب"- قد تبنت هجوم الأربعاء، فإنني أعتقد أنه من المستبعد أن تكون هذه الفظاعات قد نفذت من قبل إرهابيين داخليين. فالتطرف الإسلامي الذي غذاه ودعمه عدد من الحكام العسكريين السابقين في باكستان بدأ اليوم يقض مضجع حكومتها المدنية المنتخَبة حسنة النية. فقد أثبت تفجير فندق ماريوت في إسلام آباد أن وحش "فرانكنشتاين" في صحة جيدة، وقد بات خارج السيطرة؛ حيث باتت الجماعات المحاربة التي كانت تلقى الدعم والتمويل ذات يوم من الحكومات السابقة تهدد الديمقراطية الفتية لباكستان نفسها. وعليه، فإن الحاجة إلى عمل مشترك وموحد من قبل الحكومتين الهندية والباكستانية لاستئصال الورم الخبيث بينهما لم تكن في يوم من الأيام أقوى وأمس مما هي عليه اليوم. والسؤالان اللذان بدآ يُطرحان بقوة الآن هما: هل انتهى كل شيء بالنسبة للهند؟ وهل يستطيع البلد استعادة عافيته بعد هذا المصاب؟. الجواب للمفارقة: نعم ولا؛ فالقنابل والرصاص لوحدهما لا يمكن أن يدمرا الهند لأن الهنود سينهضون من جديد ليشقوا طريقهم وسط الحطام والأنقاض ويواصلوا مسيرتهم، مثلما فعلوا على مر التاريخ. بيد أن الذي يمكن أن يدمر الهند، بالمقابل، هو تغير في روح شعبها وابتعاده عن التعددية والتعايش اللذين يعدان أعظم نقاط قوته. ولذا فإن دعوة رئيس الوزراء مانموهان سينج إلى الهدوء وضبط النفس في مواجهة هذه الفوضى والدمار أمر أساسي وضروري، لأنه إذا أدت هذه الأحداث المأساوية إلى الإساءة إلى مسلمي الهند، فإن الإرهابيين في هذه الحالة سيكونون قد نالوا مبتغاهم وحققوا مرادهم. وعليه، وحتى تكون الهند هي الهند الحقيقية ينبغي أن تظل بوابتها دائماً مفتوحة أمام العالم، وأمام جميع مكونات شعبها. ساشي ثارور ــــــــــــــــــــــــــــــــــ مساعد الأمين العام للأمم المتحدة في فترة كوفي أنان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"