منذ أسابيع قليلة جرى تذكير طاقم مهمة المساعدة التابعة للأمم المتحدة في العراق بما يمكن أن تصل إليه الأمور في هذا البلد من سوء، وذلك عندما تم إطلاق مقذوف صاروخي عيار 240 ملم نحو المجمع الـذي يضم مقر بعثة الأمم المتحدة، ليرتطم بجدار وتنفجر شظاياه مما أسفر عن مصرع اثنين من الموظفين وإصابة آخرين غيرهم. لم يكن هذا هو الحادث الوحيد الذي ذكّر البعثة بخطورة الوضع في العراق، فهناك أحداث أخرى يلقي خلالها العشرات من العراقيين مصرعهم على أيدي المتطرفين الذين لا يعرفون معنى الرحمة بدرجة تسوغ القول إن الأحوال هناك أبعد ما تكون عن أن توصف بأنها"طبيعية". وعلى الرغم من أن الحياة هنا تتحسن بشكل ملموس، فإن الأوضاع الأمنية لا تزال تعوق جهود الشعب العراقي للهروب من المستنقع الذي وجد نفسه عالقا فيه، كما تضع حدوداً على ما نستطيع جميعاً أن نفعله لتقديم يد العون. هناك ثلاثة تحديات رئيسية يتعين مواجهتها خلال الشهور المقبلة. وعلى الرغم من أن التقدم الذي تحقق مؤخرا يمكن أن يتعرض للانتكاس إذا لم يصاحبه عمل جاد وجهد حقيقي، إلا أن الشيء المشجع، والذي يجب الاعتراف به، أن هناك أنباء طيبة على صعيد تلك التحديات الثلاثة. التحدي الأول، يتعلق بالانتخابات التي جرت بالأمس في 14 محافظة من محافظات العراق الثماني عشرة، والتي يتنافس في نطاقها ما يزيد عن 14 ألف مرشح لاحتلال مناصب في المجالس المحلية، ومعظم هؤلاء المرشحين عاقد العزم على تحسين مستوى الأداء السيئ للخدمات العامة مثل الكهرباء، والماء، والصرف الصحي، والتعليم، والرعاية الصحية، وذلك بعد المستوى المخيب للآمال للغاية الذي اتصف به أداء المجالس المحلية المنتخبة منذ أربع سنوات، والذي أدى إلى سيادة مزاج في العديد من الأماكن يدعو أصحابه علناً إلى التخلص من المجالس القديمة وانتخاب أخرى جديدة، وقد عملت الأمم المتحدة بشكل وثيق مع مفوضية الانتخابات العراقية، وغيرها لضمان حرية تلك الانتخابات ونزاهتها، حيث دربت ما يقرب من 60 ألف مراقب انتخابي. ومن المفترض أن يؤدي الاقتراع الذي أجري أمس إلى زيادة ثقة العراقيين في مؤسساتهم المحلية، وفي الديمقراطية المسؤولة بشكل أكبر بكثير عما كان عليه الحال في الانتخابات السابقة، وهو ما يرجع إلى مشاركة الاحزاب السُنية في الانتخابات التي كانت قد قاطعها في المرة السابقة ما يعني أن درجة تمثيلهم سوف ترتفع، كما هو متوقع، ارتفاعاً كبيراً في بعض المحافظات الرئيسية، كما يعني كذلك أن هموم السُنة الرئيسية ستجد من يعبر عنها بشكل ديمقراطي في البرلمان، وهو ما سيصب بدروه في مصلحة عملية المصالحة الوطنية. التحدي الثاني، يتعلق بالتوترات المتزايدة بين العرب والأكراد. فتلك التوترات التي ترجع لأسباب تاريخية، وأخرى "بعثية"، وفي فترة أحدث إلى شكاوى كردية من مظالم تعرضوا لها في توزيع "الأراضي المتنازع عليها" الواقعة جنوب كردستان العراق، وخصوصا في محافظة كركوك الغنية بالنفط، وهي التوترات التي أثرت على كل جانب من جوانب المشهد السياسي تقريباً، وعرقلت التقدم بشأن قانون النفط ذي الأهمية الحيوية، وبشأن تقاسم العوائد، ومراجعة الدستور، ودفعت الأمور بين القوات التابعة للحكومة المركزية في بغداد، وبين القوات الكردية إلى حافة الصراع منذ شهور قليلة، ولا تزال حتى الآن تثير مشاعر عدم الثقة المتبادلة، وتؤدي إلى نوع من اللغة الخطابية التي لا تجدي نفعاً، والتي يبدو أنها تشل أجهزة الحكم علي مستويات عديدة. ويجب على أصدقاء العراق في المجتمع الدولي تشجيع القيادات العراقية الوطنية(ومعظمها من العرب) والقيادات الإقليمية(الكردية) من أجل تخفيف حدة التوتر، واكتشاف حلول جديدة لبعض القضايا الملحة مثل قانون النفط، قوات الأمن الوطنية، والدستور. ومن الظواهر الإيجابية، وجود رغبة متنامية بين المجموعات العرقية في كركوك، للوصول إلى تسوية تكون مقبولة من قبل جميع المكونات العرقية التي تعيش في كركوك -وليست مقبولة فقط من قبل الأكراد فحسب - وهي الرسالة التي أزعم أني استلمتها من كل من قابلتهم في كركوك عندما كنت في زيارتها منذ عدة شهور. التحدي الثالث، هو الحاجة إلى درجة أكبر من الاستعداد للسعي من أجل تحقيق التسوية الوطنية على جميع المستويات وبين المجموعات الرئيسية(السُنة -الشيعة)، و(الشيعة -الشيعة)، و(السنة - السنة) و(العرب- الأكراد) و(الأكراد- الأكراد). وفي الوقت الذي تعمل فيه الأمم المتحدة من أجل تعزيز روح الحوار والمصالحة هنا، فإن طاقم البعثة الأممية في العراق لاحظ أن كلمة Compromise الإنجليزية التي تعني "تسوية" تُترجم خطأً في اللهجة الدارجة العراقية إلى" تنازل"، وهي كلمة تحمل معنى ضمني يحيل إلى التخلي عن المبادئ أو المواقف. وإذا ما وضعنا في اعتبارنا هذه الذهنية القائمة على الخلط بين المفاهيم، فإنه سيتضح لنا مدى الصعوبة في تعريف ما الذي تعنيه عبارة" النتائج المقبولة من قبل الجميع" التي تتردد كثيراً هنا. على الرغم من أن الأوضاع الأمنية في العراق آخذة في التحسن، فذلك لا يعني أن العنف السياسي سينتهي خلال الشهور المقبلة. ولكن ما يجب الإشارة إليه هنا أن عام 2009 سيكون العام الثاني على التوالي الذي يحس فيه العراقيون بحدوث تحسن حقيقي -مع بعض التوقفات المفاجئة التي لا مفر منها - في السير على طريق تحقيق السيادة الوطنية، والمحاسبة الديمقراطية، والاستقرار السياسي، والأمن، والرخاء المادي. فخلال العامين الماضيين ظل الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، يشجع الموظفين العاملين في الأمم المتحدة على تبني نهج إيجابي في تنفيذ تفويض المهمة المخولين بها والمتعلقة بتقديم المساعدة للعراق. لقد عانى الشعب العراقي من صدمة طويلة الأمد، وذات أبعاد هائلة، ويجب علينا جميعاً أن نفعل كل ما في وسعنا لتسهيل عملية التقدم على الطريق الذي انطلقنا عليه بالفعل. -------- ستافان دي ميستورا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"