منذ المحاولة الإرهابية التي كادت أن تفجر الرحلة رقم 253 المتوجهة إلى ديترويت في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي والتركيز في وسائل الإعلام وغيرها منصب على سؤال واحد، هو لماذا لم يتم وضع اسم الإرهابي المحتمل، عمر فاروق عبد المطلب، في قائمة الأسماء المراقبة والممنوعة من السفر، أو الدخول للتراب الأميركي رغم أن الحكومة تلقت معلومات تفيد بأنه عنصر خطير ومتشدد؟ والحقيقة أنه رغم وجاهة السؤال، لا سيما في ظل المخاوف التي أثارتها المحاولة الفاشلة في الأوساط الأمنية ولدى الرأي العام الأميركي، إلا أن السؤال الذي يتعين التركيز عليه في هذه اللحظة حتى نضمن عدم تكرار المساعي الهادفة إلى استهداف أمننا هو: كيف يمكننا إبعاد المواد المتفجرة عن طائراتنا؟ فمعروف أن أغلب المطارات الموزعة على المدن الأميركية تستخدم في نقاط التفتيش أجهزة لكشف المعادن التي يحملها معهم المسافرون سواء في أمتعتهم، أو في ملابسهم، لكن "القاعدة" أثبت أنه قادر على تجاوز تلك الأجهزة باستخدام مواد متفجرة لا تحتوي على معدن في تكوينها، أو تحتوي على كمية قليلة منه، وتلجأ إلى أنواع من المتفجرات يصعب كشفها من قبل الأجهزة التقليدية مثل تلك التي استخدمها "عبد المطلب"، أو التي كان يريد "ريتشارد ريد" استعمالها في حذائه عندما كشفته الأجهزة الأمنية في العام 2001 وهو يهم بتفجيره طائرة متجهة إلى أميركا. ولتفادي هذا المأزق، أو الخلل الأمني الواضح شرعت وزارة الأمن الداخلي عندما كنت على رأسها في تشديد الرقابة وأوعزت لإدارة تأمين النقل باستبدال أجهزة الكشف التقليدية، التي تعود إلى حقبة السبعينات والمستخدمة على نطاق واسع في المطارات الأميركية بأخرى جديدة تعتمد على تكنولوجيا متطورة قادرة على كشف أسلحة غير معدنية، يمكن أن يخفيها الإرهابيون في ملابسهم، بما فيها ملابسهم الداخلية كما حاول ذلك "عبد المطلب". وقد تم نشر الأنواع الأخيرة من هذه الأجهزة المتطورة في 19 مطارا أميركيا على أن يتم تعميمها على باقي المطارات، لكن استخدام هذه الأجهزة القادرة على تجنيبنا الأسوأ وتفادي الهجمات الإرهابية التي تستهدف الطائرات واجهت منذ البداية معارضة شرسة من قبل بعض الهيئات والجماعات، ففي شهر يونيو الماضي طرح مجلس النواب مقترح قانون يقضي بمنع إدارة تأمين النقل من استخدام أنظمة الرصد الجديدة في أغلب الحالات وقصرها على بعض الحالات القليلة جداً، قد لا تفيد في إبعاد شبح الهجمات الإرهابية، ولو سُمح لهذا القانون بالمرور وتمت المصادقة عليه بصورة نهائية، فإنه لن يُسمح باستخدام أجهزة الكشف المتطورة إلا على عينة محدودة من المسافرين يتم اختيارها ليمر معظم المسافرين من بوابات الكشف العادية، وهكذا وتحت هذا التقييد الذي يفرضه مشروع القانون سيتمكن الإرهابيون الذين لا توجد أسماؤهم في لائحة الممنوعين من المرور عبر بوابات المراقبة التقليدية، ويمكن إخفاء مواد متفجرة غير معدنية وإدخالها إلى الطائرة، لذا يتعين على الكونجرس رفض هذا المقترح وإقرار قانون بديل يعمل على نشر أجهزة الرصد المتطورة في جميع المطارات. ويستند المتحفظون على استخدام أجهزة متطورة للرصد والكشف في معارضتهم على ثلاث حجج رئيسية يقود أولها جماعات الدفاع عن الحريات الشخصية مثل "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية والخصوصية"، الذي اشتكى من أن الأجهزة تعري المسافرين، ويدعي أصحاب الحجة الثانية أن الأجهزة ليست آمنة لأنها تعرض المسافرين لكميات خطيرة من الإشعاع قد تهدد صحتهم، فيما يرى القسم الثالث من المنتقدين أن الأسلوب الأمثل لحماية مطاراتنا، هو من خلال المعلومات الاستخباراتية وتعزيز قدراتنا في هذا المجال. والواقع أن جميع هذه الحجج يعوزها المنطق السليم، لا سيما فيما يتعلق بحجة السلامة الصحية إذ معروف أن ما تطلقه تلك الأجهزة من إشعاع يكاد لا يقارن بالكمية التي يخضع لها الإنسان في الحياة اليومية من مصادر مختلفة، أما مسألة الاعتماد فقط على المعلومات الاستخباراتية لمنع وصول الإرهابيين إلى أميركا، فقد أثبتت حالة "عبد المطلب" صعوبتها بعدما أفلت اسمه من قائمة المطلوبين، وحتى لو عُززت الإجراءات الأمنية المعتمدة على جمع المعلومات، كما وجه بذلك الرئيس أوباما سيبقى هناك العديد من الإرهابيين الذين لا نعرف عنهم شيئاً وسيظل الكثير من الإرهابيين الخطرين الذين يتربصون بأمن أميركا خارج اللوائح الاستخباراتية، وهو الأمر الذي دعانا بعد التفجيرات الإرهابية لعام 2001 إلى تنويع أساليب الحماية لإجهاض أية محاولة تستهدف اختراق الأمن الأميركي، هذه الأساليب التي لا تقتصر فقط على تشكيل قائمة بالأسماء الخطيرة على الصعيد الدولي، بل تمتد إلى استخدام الأجهزة المتطورة مثل تلك التي وضعت في المطارات. وفيما يتعلق بمسألة العري التي يثيرها المعارضون المدافعون عن خصوصية المسافر فإن القصد ليس كشف الأعضاء الخاصة للمسافرين بقدر ما هو البحث عن أسلحة قد تكون مخفية في ثنايا الملابس الداخلية، ورغم ذلك أخذت إدارة حماية النقل هذه المخاوف بعين الاعتبار وتعاملت معها بجدية من خلال وضعها العديد من الإجراءات مثل الحد من عدد الضباط الذين يراقبون الصور، وفصل الضباط عن المسافرين بحيث لا يعرفون لأي شخص تعود، فضلا عن استخدام برنامج يخفي وجوه المسافرين الذين تظهر صورهم لدى ضباط المراقبة لمزيد من حماية الخصوصية، بل الأكثر من ذلك تم تشكيل الأجهزة على نحو لا يتيح لأي كان الاحتفاظ بالصورة بعض مرور المسافرين، ويمكن أيضاً للمسافرين اختيار عدم المرور من تلك الأجهزة والخضوع للتفتيش اليدوي. وباختصار أصغت إدارة تأمين النقل إلى كافة الانشغالات والمخاوف المرتبطة بحماية الخصوصية وأدرجتها في إجراءاتها وذلك لإحداث التوازن المطلوب بين إكراهات الأمن ودواعي الخصوصية، لذا يتعين على الإدارة الوقوف بشدة في وجه المدافعين عن الخصوصية لأنه في نظر هؤلاء تبقى جميع الإجراءات الأمنية غير مقبولة، والحال أنها بفشلنا في توظيف جميع الوسائل الممكنة لسد الثغرات الأمنية فإننا نعرض حياة ركاب الطائرات لخطر يمكن تفاديه. مايكل شيرتوف وزير الأمن الداخلي الأميركي السابق في الفترة بين 2005 و2009 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز"