منطقة الخليج تعتبر جزءاً مهماً من الأمن الدولي لارتباطها الرئيسي بأمن الطاقة «النفط بشكل أساسي». وعلى المستوى الإقليمي العربي، فقد تغيب الحقيقة، بأن العلاقات العربية - العربية الاقتصادية والتنموية مرتبطة بهذه الموارد الطبيعية «النفط والغاز» والذي يعطي للدول الخليجية العربية الثقل الأكبر فيها (بالتحديد العراق والكويت والسعودية والإمارات وقطر). كما أن الموقع الجغرافي للخليج يجعله من بين الطرق الرئيسية في المواصلات والتبادل التجاري بين أطراف هذا العالم. إضافةً إلى كل ذلك، فإن للبعد الديني دوراً ثقافياً وتاريخياً، فالمنطقة مهبط الدين الإسلامي ومركز لبداية حضارية للعالم العربي والإسلامي، وعلى الضفة الأخرى من الخليج الوجه الفارسي والإسلامي. ومن الأهمية بمكان الاعتراف بأن أمن الخليج يعد معادلة صعبة لكثرة وتعدد وتغيُر التحديات والمخاطر من فترة لأخرى، فعدم وجود وحدة خطر لأمن الخليج يندرج تحت حقيقة أنه لكل دولة رؤية وسياسات ومخاطر لا تنطبق على بقية الدول الأخرى، وإن وجدت وحدة خطر بين دول بعينها دون دول أخرى من الخليج من فترة إلى أخرى. ورغم تعدد تعريف الأمن القومي للدولة، فإنه يمكن تعريفه بشكل دقيق وواضح على أنه القدرة العامة للدولة لحماية إقليمها «أرضها وبحرها وسمائها» بشكل أساسي، وصون القيم والمصالح والمتطلبات من التهديدات الخارجية والداخلية، فالتهديدات قد تكون موجهة ضد النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن إقليم الدولة. وحدة الخطر منذ الانسحاب البريطاني من المنطقة وحتى وقتنا المعاصر، ومخاطر وتحديات أمن الخليج تندرج في أطر متعددة من العلاقات بين دول الخليج الثمانية واليمن كدولة من الجزيرة العربية، وتتضمن أبعاداً دينية وأيديولوجية، كما أن الصراعات والعلاقات الدولية على الصعيد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وعلى المستوى الدولي حملت الأثر البارز في أمن الخليج. فليس لأمن الخليج وحدة خطر، ولنا في البعد التاريخي والمعاصر بيان لقوة وتنوع وتكرار تلك المخاطر. تميزت الفترة من 1972-1978 بأن دول الخليج اكتمل استقلالها السياسي والقانوني، وحظيت باستقرار داخلي بسبب توقف المد الاشتراكي الناصري عبر وفاة الرئيس جمال عبدالناصر في عام 1970. باستثناء عُمان، التي كانت تعاني من الثورة الاشتراكية «ثورة ظفار» حتى عام 1975. وفي هذا الشأن، كان هناك تأييد من قبل جميع دول الخليج يصب ضد هذه الثورة، باستثناء العراق ذي النظام الاشتراكي العربي. علاوة على ذلك، كانت هناك نزاعات حدودية برية وبحرية بين دول الخليج الثمانية، مع قضية احتلال إيران للجزر الإماراتية المستمر، كما أن اليمن دخلت في نزاعات حدودية كدولة من دول الجزيرة العربية. ففي هذه الفترة ستُبرم اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران عام 1975 لتنهي الصراع حول الحدود بين الطرفين على شط العرب، وهو خلاف قاد الشاه إلى دعم الأكراد في شمال العراق لزعزعة العراق، وقام العراق بدوره بدعم عرب الأهواز، ولكن الكفة العسكرية آنذاك كانت لصالح الشاه وتحالفه القوي مع واشنطن، وهذه الاتفاقية لم تكن ترضي العراق لذا تعتبر أحد أسباب الحرب العراقية الإيرانية مع صد تصدير الثورة. أما على الصعيد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط، فجاءت المشاركة في حرب أكتوبر 1973، من خلال استخدام النفط في الحرب، دليل على الارتباط الوثيق بين أمن الخليج والأمن العربي، الذي بدوره أثر على المستوى العالمي حيث خرج الأمن القومي الأميركي من أولوية الخطر من الشيوعية إلى نفاد وتدفق النفط، وأثرت هذه الحرب على الصناعات، على سبيل المثال، خرجت السيارات الصغيرة كحل لتقليل استهلاك النفط. وعلى الصعيد العالمي المتعلق بالحرب الباردة، جميع دول الخليج كانت قريبة من الكتلة الغربية، باستثناء العراق، وتجدر الإشارة في هذه الفترة إلى وجود محاولة للعثور على اتفاقية أمنية بين دول الخليج الثمانية، التي فشلت في مؤتمر مسقط عام 1976. «مبدأ كارتر» وخلال الفترة من 1979-1991 تداخلت المخاطر الداخلية والإقليمية والدولية والعالمية بشكل كبير، فالثورة الإيرانية الشيعية أسقطت شرطي الخليج «نظام الشاه» والذي كان مرتبطاً بإستراتيجية أميركية لأمن الخليج عبر العمودين المتوازين «إيران والسعودية»، وأتى «مبدأ كارتر»، الذي ينص على أن أميركا «ستعتبر أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج، اعتداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية، وسيتم صد مثل هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية». وجاء الإعلان بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان في 24 ديسمبر 1979، وبعد انتصار الثورة الإيرانية في 11 فبراير 1979. ومن الأهمية بمكان الاعتراف بأن التدخل السوفييتي في أفغانستان مثّل حافزاً كبيراً لبروز المليشيات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط مثل «القاعدة» وغيرها. فالثورة الإيرانية الإسلامية الشيعية كانت تهدف وما زالت إلى تصدير نفسها إلى المجتمعات الشيعية في دول الخليج، وكان العراق أكثر عرضة للتأثر بها بسبب ارتفاع نسبة الشيعة بين مكونه الاجتماعي. وبعد ستة عشر يوماً من الثورة الإيرانية، خرجت «حركة جهيمان»، وكانت تسمى الجماعة المحتسبة فقد تأسست بقصد الدعوة والاحتساب والاهتمام بمنهج السلف ومحاربة البدع والمنكرات، انطلقت من المدينة المنورة بصفتها العلنية، وحسب أحد أفراد الجماعة السلفية المحتسبة «ناصر الحزيمي، الذي يقدم الرواية الحقيقية لذلك الفكر»، بأن «حركة جهيمان» صدقت أحلامها في المهدي المنتظر، حيث بدأت كحركة سلفية ثم توهمت في تفسير أحلامها التي كانت تدور حول المهدي، إلى إسقاط تلك الأحلام على رجل هاشمي النسب كان ضمنها، بأنه المهدي. وأخذت تنظيرا لأحداث قدومه ونهاية العالم بقيام الساعة - كما في نظرية عودة النبي عيسى عليه السلام عبر العودة المشروطة لليهود إلى أرض فلسطين، وهذه الحركة احتلت المسجد الحرام في مكة المكرمة وتم القضاء عليها. تداخلات إقليمية وعالمية وفي أجواء التداخل الكبير بين المستوى الإقليمي والدولي والعالمي من سقوط الشاه، و«حركة جهيمان»، والتدخل السوفييتي في أفغانستان وبداية الحرب بين إيران والعراق، تأسست منظمة مجلس التعاون الخليجية بعيداً عن العراق العربي وإيران الفارسية، فعدم انضمام العراق كان بسبب نظامه الاشتراكي الذي لا ينسجم مع الدول الملكية، كما أن المملكة العربية السعودية كانت تريد لنفسها دور القيادة. ويجب عدم إغفال أن العراق سيحظى بدعم عربي كبير، فتوقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ألقى بظلاله على أمن الخليج عبر بروز العراق كقوة عربية تسعى للقيادة العربية، وخرج مصطلح أن العراق البوابة الشرقية للوطن العربي أثناء الحرب الإيرانية - العراقية. وبسبب الخلاف بين «البعث» العراقي والسوري اخترقت إيران الخميني النظام العربي عبر خلق علاقات قوية مع دمشق، كما أن اجتياح إسرائيل للبنان 1982 ولّد دعم الخميني، والاعتماد على قوى لبنانية غير رسمية كـ«حزب الله». ولعل احتلال الكويت هو الحدث الأخطر على أمن الخليج، فاحتلال الكويت جعل أمن الخليج يدخل التحالف الدولي بقيادة واشنطن لتحرير الكويت 1991. وقد أثرت هذه الحرب «عاصفة الصحراء» على أمن الخليج إلى اليوم، بسبب غياب وانهيار دور العراق الذي كان يمثل ضلع المثلث الإقليمي الخليجي مع إيران والسعودية من تنافس وصراع وتعاون، وهذا المثلث عكس ثقل هذه الدول وانشغال بقية الدول الخليجية الأخرى بتنمية قدراتها المادية والبشرية. كما أن هذه الحرب ونتائجها مع انهيار الاتحاد السوفييتي ستكون كمؤشر لتربع الولايات المتحدة الأميركية على هرم النظام الدولي العالمي، ثمة نتيجة لحرب تحرير الكويت، وهي بداية مفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ومع نهاية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، انتهت سياسات احتواء الاتحاد السوفييتي، وأتت إستراتيجية واشنطن الجديدة (الاحتواء المزدوج للعراق وإيران عام 1993). مرحلة (1992-2003) مع رجوع النزاعات الحدودية بين دول مجلس التعاون الخليجي، برز منظور القُطْرية في منطقة الخليج وهو سلوك للدول يُعبر عن جزء كبير من استقلاليته عن النظام العربي والسياسات العربية المتضاربة أصلا. وفي غضون ذلك، بدأت القضية الكردية تتبلور في استقلالها سياسياً شمال العراق (كردستان العراق)، وأصبحت إيران قوية في لبنان عبر «حزب الله» وسوريا، وتزامن تطور العلاقة بين إيران و«حماس» مع فتور في علاقة طهران بمنظمة التحرير الفلسطينية، خاصة بعد حرب الخليج الثانية واختيار المنظمة المفاوضات سبيلاً وحيداً للحل مع إسرائيل. وساد هذه الفترة حصار العراق مع ضعف أداء وتطور منظمة مجلس التعاون الخليجي. على الجانب الآخر، أخذ تنظيم «القاعدة» في البروز بعد حرب تحرير الكويت إلى أن ارتبط أو ربط على المستوى الدولي عبر أحداث 11 من سبتمبر 2001، فأتت واشنطن حاملة راية الحرب على الإرهاب لتحقيق مصالحها من إشاعة الديمقراطية عبر خلق نموذج باحتلال وبناء العراق مع السيطرة على موارده النفطية، بينما موسكو أتت بإيران عبر إستراتجية تقليص فكرة هيمنة واشنطن على الخليج ومنطقة الشرق الأوسط. جدير بالذكر، بأن لإيران دوراً في المعارضة العراقية التي نسقت مع واشنطن لإسقاط نظام «البعث» العراقي، وبعدها شكلت إيران قوة في العراق من خلال البعد الشيعي السياسي، مما فرض على واشنطن التعاطي مع إيران للتعامل مع الوضع في بلاد الرافدين بعد سقوط نظام «البعث» العراقي. محور إيران.. الممانعة سابقاً وخلال الفترة من 2004 إلى 2015 ظهرت تحالفات سياسية ضعيفة نتج عنها «محور الاعتدال» والممانعة في الشرق الأوسط، وإن كان كلا المحورين تشكلا بسبب القضية الفلسطينية؛ حيث إن محور الاعتدال يميل إلى التسوية مع إسرائيل مقابل محور الممانعة الذي يميل للمقاومة ضد إسرائيل وسياسة واشنطن في المنطقة. إلا أن الحقيقة غير ذلك، فمحور الممانعة هو عبارة عن اختراق إيراني للنظام العربي، لأن محور الممانعة أصبح محور إيران ومعبراً عن مصالحها بامتياز بعد اندلاع «الربيع العربي».. يمكن اختزال هذه الفترة بأقوى مشهد سياسي وأمني «الربيع العربي»، واستمرار الثورة السورية و«عاصفة الحزم» إلى يومنا هذا: أ- «الربيع العربي» وأمن الخليج: عدم وجود الحد المقبول من التنمية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع يقود حتماً إلى تهاوي النظام السياسي من الأعلى إلى الأسفل في سقوط مدوٍ بانقلاب عسكري أو ثورة شعبية ضده، وهذا هو ما حدث في «الربيع العربي» بسقوط بعض الأنظمة العربية الجمهورية. إن تأثير «الربيع العربي» كان بدرجات متفاوتة في دول الخليج، فالبعض منها تأثر كثيراً كالبحرين وعُمان، والبعض بشكل أقل كالسعودية والكويت، والبعض الآخر لم يتأثر على الإطلاق كالإمارات وقطر، أما العراق وإيران فوضعهما يختلف لأن العراق يعاني من الصراع الطائفي والنفوذ الإيراني، أما إيران فكانت براجماتية عبر دعمها لنظام بشار على حساب الشعب السوري، واستمرار تصوير نفسها أنها مع المستضعفين من المذهب الشيعي. ولنا هنا أن نذكر أن «الربيع العربي» استفادت منه إيران عبر نفوذها على التجمعات الخليجية الشيعية في زعزعة أمن البحرين وغيرها بدرجات أقل وضوحا وبروزا، ولعل ما حدث في الكويت عندما اكتُشف أسلحة تعود لما يسمى جماعة تتبع «حزب الله» في الكويت تمثل خروجا على نظام الكويت السياسي والاجتماعي والقانوني. وما حدث مؤخراً في البحرين، حيث اكتشفت البحرين مخبأ للمتفجرات تحت الأرض بأحد المنازل عندما تم القبض على عدد من المتورطين في أعمال إرهابية، فالمقبوض عليهم والمتفجرات ترتبط بعناصر إرهابية وسياسية موجودة في العراق وإيران، وقد قاد هذا التدخل السافر من إيران في الشؤون الداخلية البحرينية إلى سحب السفير البحرين من إيران، كما أعلنت البحرين أن السفير الإيراني في المنامة أصبح شخصاً غير مرغوب فيه. ب- الثورة السورية و«عاصفة الحزم»: الثورة السورية تندرج ضمن «الربيع العربي» وتداعياته، وتحمل أبعاداً خطيرة على أمن الخليج من خلال بروز المليشيات الإسلامية المتطرفة كـ«داعش» في العراق وسوريا، إضافة إلى حضور قوي لـ«جبهة النصرة»، مقابل مليشيات شيعية من إيران ولبنان وسوريا وأفغانستان موجودة بسوريا، كما تقدم هذه الثورة ما يشبه الحلف بين موسكو وإيران والنظام السوري والحكومة العراقية مع فاعلين دون الدول كـ«حزب الله». مقابل تلك الثورة، فـ«عاصفة الحزم» تهب لكبح وردع تمدد النفوذ والقوة الدينية لطهران التي تحركها مراكز دينية متعددة من «قم» في إيران إلى النجف بالعراق وجبل عامل بلبنان، فموقع اليمن في غاية الأهمية بالنسبة لأمن الخليج. ازدواجية الهوية والدور هوية جمهورية إيران الإسلامية تأتي من كونها دولة إسلامية شيعية مع وجود هوية فارسية لها بعد تاريخي وطموح براجماتي مستقبلي. ولكل هوية دور ينعكس عليها، وهنا دور إيران إقليمياً ودولياً يمثل انعكاساً لهويتها المزدوجة، فدورها في دعم الأحزاب والميليشيات والجماعات والأنظمة الشيعية في الوطن العربي يعكس هويتها كمحور للأنظمة والنفوذ والقوة الشيعية. بذلك هي لها اليد الطولى في العراق العربي، ولبنان عبر المكونات الشيعية كـ«حزب الله»، واستغلال «حماس» ليكون لها حضور ودور في القضية الفلسطينية، إلى اليمن عبر «الحوثيين» وغيرها من الأقطار العربية التي بها تجمعات شيعية كالبحرين والكويت. وتدعم إيران حلفاءها من خلال عوائد النفط والغاز الضخمة الممزوجة بأفكار وأسس للمذهب الشيعي، وما تفرضه من تواصل واتصال لاتباع المذهب الواحد من خلال النفوذ الشيعي العابر للدول والمتمحور بإيران، مع وجود فكرة توسع الحكم الثيروقراطي الشيعي في الشرق الأوسط عبر خلق أنظمة ومجتمعات شيعية يدور فلكها حول طهران ومدينة قم الإيرانية. أما دور وسلوك طهران لتحقيق مصالحها في العلاقات الدولية خارج المنطقة العربية، فيظهر من خلال الهوية الفارسية الرافضة لبروز أي قوة من الدول العربية التي تستطيع أن تنافس حضور إيران في الخليج والشرق الأوسط. قطعاً، إيران كإسرائيل وإلى حد ما مثل تركيا في تعاملها مع النظام العربي الإقليمي، لأنها تحاول باستمرار الحد من بروز أي قوة عربية في منطقة الشرق الأوسط. علاقات إيران الخليجية الراهنة يسود الصراع في العلاقات الإيرانية الخليجية من خلال المذهبية الشيعية العابرة للأقطار وتدخلها في الشؤون والأمن الداخلي لدول الخليج واليمن «كالحادثة الأخيرة في البحرين التي قادت إلى سحب السفير البحرين ومقابل إعلان أن السفير الإيراني في المنامة أصبح شخصاً غير مرغوب فيه»، إلى جانب الصراع حول الحدود البحرية بمواردها، واحتلال الجزر الإماراتية، وتدخل وتحكم إيران في سوريا عبر مليشيات شيعية متعددة من العراق وإيران ولبنان وأفغانستان مع قوات الحرس الثوري الإيراني. رغم كل ذلك، فإيران تعتبر مصدرا مهما للغاز للكويت وعُمان وغيرها في حين تتعرقل إمدادات الغاز القطري إلى الكويت، كما أن المنتجات الزراعية والصناعات التقليدية الإيرانية كالملابس الخليجية الإسلامية المشتركة والسجاد وأدوات المنازل وبعض الصناعات الأخرى تتدفق إلى دول الخليج. وتمتاز إيران بعلاقات سياسية مع عُمان منذ الشاه والتعاون في دحر الثورة الظفارية إلى جنب أنها تشترك مع عمان في مضيق هرمز. وترغب مسقط أن تلعب دورا مميزا بعلاقاتها مع إيران، والذي يتيح لها دورا إقليميا ودوليا، فعمان أقل قدرة اقتصادية من الإمارات والسعودية والكويت وقطر والعراق، تلك القدرة التي تستطيع بناء قدرات عسكرية ونفوذ سياسي، كما أن عُمان ستصبح دولة غير نفطية كالبحرين ربما بعد عشر سنوات. أما العلاقات التجارية، فإن العديد من الدول الغربية والخليجية تسعى إلى السوق والتعاون الصناعي والاقتصادي مع إيران بعد الاتفاق النووي. خطر الخلافات الحدودية البحرية إيران لها أطول إطلالة على الخليج مع وجود اختلال لتوازن القوى لصالحها مع بقية الدول الخليجية، وهذا سيقود إلى إشعال الخلافات الحدودية البحرية، حيث من المرجح أن يحدث سطو وتعدٍ إيراني بالقوة على تلك الموارد البحرية، أو الحصول على النصيب الأكبر منها. على سبيل المثال لا الحصر، الخلاف حول حقل الدرة البحري مؤخراً، والذي أثار احتجاج الكويت عن إعلان طهران المفاجئ من طرح مشروعين لتطوير امتداد حقل الدرّة أمام الشركات الأجنبية، متجاهلة الرفض الكويتي القاطع لأي مشاريع تطوير في الحقل، قبل ترسيم الجرف القاري، علماً بأن «حقل الدرة» تشترك فيه السعودية أيضاً. ومثال آخر فطهران تشتكي من أن قطر تأخذ أكبر من حصتها في حقل غاز الشمال. يبقى هنا سؤال هل العلاقات التجارية ببعدها الجغرافي والتاريخي بين دول الخليج العربية وإيران تخفف حلقات الصراع؟ وفي هذا الشأن، على دول الخليج العربية أن تأخذ في الاعتبار هوية المال والاستثمار في بلدانها وقطاعاتها، فهل تعكس تلك الهوية وجهاً شيعياً فارسياً وعربياً؟ وهل ذاك الوجه يخضع لتوجهات سياسية مذهبية؟، فهوية المال هذه ربما تؤثر في بعض القرارات والعلاقات مع إيران على حساب الأمن؟ كما على دول الخليج أخذ الحيطة والحذر من وجود تغيير ديموغرافي في دولها كالبحرين والكويت يعكس الطائفية، أو مخططات لإشعال الفتنة. تعتقد إيران خاطئة أن علاقاتها التجارية مع دول الخليج دون السعودية، وعلاقاتها مع عُمان المتميزة سياسياً وأمنياً، تحد من الحضور السعودي، فطهران لا ترى مع الرياض حضوراً على المستوى الاقتصادي في علاقتهما، بل المستوى السياسي هو المسيطر على مستقبل وتطور العلاقات بينهما.. هناك صراعات بين الطرفين «السعودي والإيراني» تأتي من طموحهما في رمز أو قيادة العالم الإسلامي، فالسعودية تتميز بكونها دولة عربية إسلامية تحتضن المقدسات الإسلامية وقبلة المسلمين، وهي أقرب إلى الدول العربية بشكل عام من منطلقات العروبة والتاريخ. والدليل على هذا الصراع ما أثارته طهران في حوادث الحرم المكي الأخيرة من سقوط الرافعة وتدافع الحجيج، اللذين خلفا ضحايا. وطهران ترغب في التشكيك من قدرات السعودية في حفظ وصون الأماكن المقدسة وتهدف إلى التدخل في هذه المقدسات عبر خلق إشراف دولي عليها، وهي فكرة غربية وأميركية جاءت لتجزئة المنطقة العربية. الاتفاق النووي.. أطراف فاشلة أما عن الدور الإيراني في أمن الخليج بعد الاتفاق النووي، فقد أعلنت مجموعة القوى الكبرى 5+1 «الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا» عن التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران حول برنامجها النووي. حيث نص الاتفاق في مضمونه على رفع العقوبات الدولية عن إيران مقابل تقييد ومراقبة إيران في برنامجها النووي لكي لا تصل إلى الجوانب العسكرية النووية. حقيقةً، يمثل الاتفاق حول برنامج إيران النووي الوصول إلى الحد المقبول من إدارة الصراع والمصالح بين كل من واشنطن والغرب وبين طهران منذ الثورة الإيرانية الإسلامية، وهو يعكس أيضاً فشل الطرفين «إيران والولايات المتحدة» حول الأسلوب والنهج الذي اتبعه الطرفان خلال العقود الثلاثة الماضية. فإيران قبلت بالشروط القاسية التي نص عليها الاتفاق بسبب عجزها عن الاستمرار في تحمل التكاليف المترتبة على العقوبات الاقتصادية والمصرفية التي فرضتها عليها إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي منذ عام 2012، ولم تمنع إيران الشعارات الأيديولوجية والدينية التي تطلقها، فهي تجيد لغة البراجماتية في العلاقات الدولية. أما الولايات المتحدة، فالاتفاق يمثل إقراراً بأن سياستها لاحتواء إيران ومحاصرتها قد فشلت في تحقيق أهدافها، خصوصاً عند احتلالها للعراق عام 2003، حيث سقط العراق بيد النفوذ الإيراني، كما أن واشنطن عجزت عن حل الأزمة في سوريا واليمن مما سمح لإيران بمدّ نفوذها في هذين البلدين. فواشنطن بقيادة الحزب «الديمقراطي» تفضل استخدام القوة الدبلوماسية وعقد اتفاقيات ملزمة على المواجهات الاقتصادية والعسكرية، وهذا ما حدث في تغير علاقاتها مع كوبا. فالاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الكبرى 5+1 يحمل تصورات سياسية وأمنية واقتصادية وعقائدية على أمن الخليج، وعلى دور إيران في الشرق الأوسط.. هنا نطرح عدة تصورات تساعد على رسم صورة مستقبلية عن أمن الخليج. تصورات ما بعد «الاتفاق» التصور الأول.. إيران كعامل يزعزع أمن الخليج: وهنا الاتفاق النووي مع إيران يعد مكسباً لشرعية بقاء واستمرار النظام الثيوقراطي أو نظام الملالي «النظام الديني»، ومكسب اقتصادي وسياسي، والذي بدوره سيزيد من تدخل وتحكم إيران في العراق وسوريا ولبنان وغيرها من التجمعات الشيعية في منطقة الخليج «كالبحرين والكويت» والعالم العربي والإسلامي، بالإضافة إلى ما سيسفر عن حال اليمن جراء التدخل الإيراني الذي بدوره ربما يقود إلى صراع مذهبي كبير ستمر به المنطقة العربية والإسلامية، وهو صراع لن يكون بين مليشيات إسلامية وحسب، بل حتى بأطر دينية وثقافية والذي سينعكس على المواطنة القُطرية والأمن الداخلي للدول، والخضوع إلى الانتماء المذهبي. تصور واحتمالان! وهذا التصور يقود إلى احتمالين؛ الأول: أن تسعى بعض الدول الخليجية إلى خلق حلف عسكري وسياسي بينها أو بمشاركة دول عربية معها، بما في ذلك امتلاك وبناء قدرات عسكرية نوعية تصل قدراتها إلى ردع تفرد القوة الإيرانية العسكرية والعقائدية في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، وذلك من منطلقات خلق توازن للقوى في الخليج. فالبُعد التاريخي لما يسمى المثلث الخليجي، يقدم رؤية لما يجب أن تكون عليه منطقة الخليج، فهذا المثلث كان يضم العراق وإيران والسعودية، عكست فترة هذا المثلث وجود شبه توازن للقوى مع ترجيح كفة الطرف الإيراني حتى انهيار نظام الشاه، وبالحرب العراقية الإيرانية استطاع النظام الثيوقراطي الإيراني أن يحافظ على قوته العسكرية والسياسية أمام ليس الخليج وحسب بل النظام العربي، فقد اخترق النظام العربي الإقليمي بعلاقاته مع سوريا ولبنان عبر «حزب الله»، وبعد تدمير القوة العراقية بتحرير الكويت 1991، ثم سقوط العراق تحت النفوذ الإيراني منذ 2003. ومع أحداث «الربيع العربي» وتراجع الدور الأميركي في أمن الخليج لصالح إيران، أصبحت منطقة الخليج بحاجة ماسة لتشكيل تحالف خليجي بقيادة سعودية وإماراتية يضم دولا عربية مهمة كمصر والمغرب والأردن واليمن أو غير عربية كباكستان وتركيا. وهذا التحالف من المفترض أن يكون خليجياً وعربياً ضد إيران، وأن يخرج بأطر عسكرية وسياسية وحتى ثقافية. الثاني: افتراض وجود توازن للقوى في الخليج لا يردع إيران وحسب، بل ربما يخلق تفاهمات أمنية تصل إليها الدول الخليجية العربية واليمن أيضاً مع إيران حول أمن الخليج برعاية وضغط أميركي وروسي. وهو احتمال ضعيف من المنظور الواقعي لعدم وجود توازن رادع بين إيران ودولة أو دول خليجية في الوقت الراهن، ولا وجود بوادر قوية لذلك، مع عدم وجود تفاهم أميركي- روسي حول قضايا دولية، تعتبر محلا للخلاف بينهم مثل الأزمة الأوكرانية، وتمدد حلف «الناتو» والليبرالية الغربية وتصادمها بأمن روسيا. من الاحتواء إلى المشاركة التصور الثاني.. إيران كعامل استقرار في الخليج والشرق الأوسط: يخرج هذا التصور من سياسة أميركية تغيرت تجاه إيران من الاحتواء إلى المشاركة، فاحتواء إيران هي إستراتيجية خرجت عام 1993، وشملت العراق أيضاً والتي لم تعد فعالة. فبعد الاتفاق النووي تنتقل إيران من الاحتواء إلى المشاركة في استقرار الخليج ومنطقة الشرق الأوسط. ويستند ذلك إلى حقيقة أن سياسات إيران الإقليمية عامل عدم استقرار في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، فطهران توفر دعما سياسيا وعسكريا وماليا كبيرا لحلفائها ووكلائها في البحرين، الكويت، العراق، وسوريا ولبنان واليمن وغيرها من الأقطار العربية والإسلامية. أي أن من هو سبب لعدم الاستقرار والفوضى في منطقة الشرق الأوسط، له القدرة على خلق الاستقرار. ولكن هذا التصور «مشاركة إيران في استقرار المنطقة» يحمل في طياته صراعا أيضاً، يُفهم من إستراتيجية واشنطن هذه، إقراراً لإيران بحضورها وقوتها الإقليمية، والذي يقود إلى هيمنة إقليمية يتم من خلالها فرض المصالح والأهداف الإيرانية بشكل براجماتي على حساب مصالح الدول الأخرى، ولو كان بعد فترة زمنية.. وفي الشأن هذا، هناك دول خليجية وعربية إلى جانب تركيا وإسرائيل ستسعى إلى الحد من تنامي القوة والحضور الإيراني الإقليمي، بما في ذلك أن هذه الدول قد تتعاون فيما بينها ضد ذلك. وهناك التصور الثالث؛ المتمثل في بقاء إيران على سياساتها بقيود غربية لفترة طويلة، حيث تستمر إيران في تطوير قدراتها العسكرية والصناعية مع انفتاح علاقاتها الدولية، إلى جانب قوتها عبر حلفائها ووكلائها من دول وغير دول في منطقة الشرق الأوسط، رغم تخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم عبر القيد النووي المفروض عليها بالاتفاق. وهذا التصور ربما يطرح نفسه عبر مسارات وتحولات في منطقة الخليج، من بينها، أولاً: أن تبقى منطقة الخليج خالية من القدرات العسكرية النووية، مع السماح باستغلال الطاقة النووية السلمية لكل الدول الخليجية، وأن تتطور إيران بشكل كبير وتصبح دولة لها ثقل صناعي واقتصادي وعسكري إقليمي ودولي. وثانياً: إدراك حاجة إيران ودول الخليج العربية مع اليمن ودول عربية وإسلامية أخرى إلى توقيع اتفاقيات تدور حول احترام سيادة الدول، وإنهاء حلقات الصراع المذهبي الشيعي مع المذهب السني، وكأن هذه الاتفاقيات تدور حول معاهدة وستفاليا، التي وقعت عام 1648 لتنهي حروباً وصراعات في أوروبا، وكمحاولة منها إلى خلق أسس ومبادئ للعلاقات الدولية تعتمد على محاور أساسية لا تحيد عنها في الاتفاق مثل استقلال الدول بحيث يحق للدولة أن تمارس سياستها في إقليمها من دون تدخل أجنبي سواء أكان نابعاً من سلطة دينية أو من دولة مجاورة أي إقرار بالدولة القومية، وإقرار مبدأ المساواة بين الدول المستقلة، والاعتراف باختلاف الأنظمة السياسية بين جمهورية أو ملكية أو ذات مذهب ديني معين. وتعتبر معاهدة وستفاليا القاعدة التي وضع عليها توازن دولي في أوروبا وكقاعدة أساسية لحفظ السلم والتعاون ضد أي دولة تقوم بمحاولة التوسع، وقد أصبحت «معاهدة وستفاليا» من أهم أسس ومرتكزات القانون الدولي والعلاقات الدولية. ـ ـ ـ ـ ـ ـ كاتب ومحلل سياسي [حم