خلال الأشهر القليلة المتبقية للانتخابات الرئاسية الأميركية، تعتزم صحيفة «واشنطن بوست» توجيه سؤال لخبراء السياسات، للتعرف على مدى استعداد مرشحي الرئاسة للإجابة عن الأسئلة الحرجة، وسوف نطرح هذا الأسبوع سؤالاً حول الطريقة التي سيتعاملون بها مع «روسيا الاستبدادية». على الرئيس المقبل أن يدرك أن روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين، دولة محكومة بنظام تسلطي يشكل تهديداً لقيمنا ومصالحنا وحلفائنا، وينبغي أن نسعى لاحتواء الطموح الروسي والتصدي له بطمأنة حلفائنا في «الناتو»، بأننا جاهزون للدفاع عنهم، وماضون في الوفاء بعهودنا المنصوص عليها في النظام الداخلي للحلف. وعلينا أيضاً أن ندعم أولئك الذين يعيشون داخل روسيا ذاتها، ويناضلون سعياً لمستقبل أكثر احتكاماً إلى الديموقراطية. وتُعزى أسباب هذه المشكلة إلى طبيعة نظام بوتين الذي لم يتوانَ عن فعل أي شيء للبقاء في سدّة الحكم، وظل يواجه كل تهديد لحكمه بمنتهى الحزم. ومنذ تسلمه سلطة الرئيس في مايو 2012 بعد أربع سنوات من عمله رئيساً للوزراء، أطلق بوتين أسوأ حملة لانتهاك حقوق الإنسان تشهدها روسيا منذ عقود. وكان مصير كل معارضيه ومنتقديه الاعتقال والسجن وأحياناً الاغتيال. وهذا ما حدث للمعارض الناشط «بوريس نيميتسو» الذي اغتيل على بضعة أمتار من الكرملين في فبراير 2015. وفي أوكرانيا، لم يكن بوتين يستسيغ سماع أصوات الأوكرانيين المطالبة بوضع حدّ للفساد وتعزيز العلاقات مع الغرب، ذلك أن نجاح أوكرانيا في تحقيق هذه الأهداف يمثل تهديداً مباشراً لحكمه في روسيا، وكان هذا دافعاً له لغزو أوكرانيا أواخر فبراير 2014 بدءاً بضمّ شبه جزيرة القرم. ومنذ ذلك الوقت، قُتل نحو 10 آلاف أوكراني ممن هبّوا للدفاع عن وطنهم ضد غزو بوتين. ومن واجب الرئيس الأميركي المقبل تقديم الدعم العسكري لمساعدة الأوكرانيين على الدفاع عن أنفسهم. وتدخل بوتين لإنقاذ نظام الأسد القمعي في سوريا، والغالبية العظمى من الضربات الجوية الروسية هناك لم تكن تستهدف «داعش»، كما عمد لتهديد الدول التي وافقت على تنصيب النظام الصاروخي الدفاعي للناتو، وتلك التي أبدت رغبة بالانضمام للحلف أو لمنظومة الاتحاد الأوروبي، ولفهم أساس حكمه، نلاحظ كيف تسعى أجهزته الدعائية إلى «شيطنة» الولايات المتحدة والزعم بأنها التهديد الأكبر لروسيا. وفي إطار تفكيره المبني على مبدأ المحصلة الصفرية، فهو يدعو العالم للاعتراف بالنفوذ الروسي في العالم ويتدخل في الانتخابات المنظمة في الدول الأخرى بما فيها الانتخابات الأميركية، ويدعم القادة الاستبداديين الذين يتبنون نهجاً مشابهاً لنهجه، وبما يعني أن مصالحه الشخصية ومصالحنا تقع على النقيض تماماً. ويتحتم على الإدارة الأميركية المقبلة أن تضع في اعتبارها أن نظام بوتين يتعارض مع إقامة أي نوع من الشراكة بين الولايات المتحدة وروسيا، ويعرقل أي مسعى للتعاون بينهما في أي مجال من المجالات، ولا شك أن كل المحاولات الهادفة لتغيير هذا الواقع سوف تفشل، ولن يكون نصيبها إلا كنصيب تلك التي بادر بها الرئيس الأسبق بوش الابن ومن بعده أوباما. ويجب الانتباه أيضاً إلى السعي المتكرر لبوتين لاستغلال نقاط الضعف من جانبنا. والمطلوب منا الآن أن ننحاز بقوة لمبادئنا وقيمنا، وأن نحافظ على روابطنا بالشعب الروسي وشعوب الدول المجاورة لروسيا، عبر التأكيد لها بأن هذا السلوك من بوتين لن يفسد علاقاتنا معها. دافيد كرامر مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الديموقراطية وحقوق الإنسان في إدارة بوش الابن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»