النظافة من الإيمان، وديننا الحنيف وقيمنا وعاداتنا تحثنا على الاهتمام بمظهر الجسد والمكان· ولكن للأسف، فإن البعض يتصور أن القذارة عمل من أعمال الشجعان، لذلك يمعن في الاستهتار واللامبالاة عندما تطأ قدماه أي مرفق عام· ولا يحزن الإنسان شيء أكثر من عمال النظافة، هؤلاء الذين يدبون على الأرض كخلايا النحل ويتقاطرون على الأمكنة بسواعد كالأجنحة تخيم على الأماكن بحب وحنان، ويبذلون الجهود المضنية لانتزاع ما خلفه المتنزهون بعشوائية وغوغائية تصيب النفس بالتقزز والأسى·· فالمكان جذر في القلب، ولا يجوز إهماله أو العبث به أو ملؤه بالمهملات وبقايا الأطعمة التي تترك روائح وعفناً مؤذياً للآخرين ومشوهاً لمشهد البلد الذي لم يتوان أبداً في تسخير كافة الإمكانيات من أجل جمال الأرض وراحة الناس وتوفير وسائل الرفاهية لكل مواطن ومقيم·· وهذا مظهر حضاري سارت على نهجه بلادنا، وهو جزء من الفكر والثقافة وركيزة أساسية من البناء الحضاري لإنساننا، لذلك عندما نرى هذه المشاهد الجارحة للمشاعر نصاب بالألم ونشعر أن هناك جرثومة ما تسكن أذهان بعض الناس فلا يستطيعون تحمل وجه جميل، ولا يملكون القدرة على العيش في مكان يتمتع بالنقاء والصفاء، لذلك فهم لا يرتاح لهم ضمير إلا إذا انفض جمعهم وقد بقيت المخلفات من ورائهم تفوح وتبوح بروائح تزكم الأنوف وتضيق الصدور· والحقيقة أن مثل هذه الفئات بحاجة إلى أساليب صارمة وحاسمة تردع تصرفاتهم وتعيدهم إلى وعيهم، وتشعرهم بأهمية نظافة المكان وأنه مرفق عام يجب الحفاظ عليه والتعامل مع ممتلكاته بإتقان حضاري وبهمة ثقافية رفيعة المستوى، ولابد من العقاب والحساب؛ لأن من أمن العقوبة أساء التصرف، وإذا كان الوطن قد حقق كل هذه الإنجازات الرفيعة، بجد وجهد أناس بذلوا الغالي والنفيس من أجل رفعته، فإنه لابد أن تقابل هذه المثابرة مبادرة من الناس الذين يستفيدون من هذه الإنجازات، ولابد أن يضعوا نصب أعينهم أن المكان الخضيب الذي يسيرون على أرضه لم يأت من فراغ، وإنما بني بعرق أناس أوفياء أسخياء تفانوا وعانوا من أجل صياغة بيئة نظيفة ووطن يتمتع بكل أدوات البناء الحضاري·