من التفاصيل المثيرة جداً في العمل السينمائي الإسباني «The Platform» - والذي كتبت حوله مقالين سابقين- تلك الجزئية الخاصة بالمطبخ المعني بتحضير الطعام للسجناء، إذ تبدأ رحلة هذا المطعم في وقت مبكر، مع بدء تسجيل بيانات السجين الخاصة، فيُسأل كل سجين عن أحب وجبة إليه، وعلى ما يبدو أن هذه الإجابة ستحول إلى رئيس الطهاة الذي سيحضر مأدبة طعام تحوي الأكلة المفضلة لكل سجين، مستعيناً في تحضير هذه الأكلات بأجود أنواع اللحوم والأسماك والخضراوات والفواكه والتوابل التي سيقوم طهاة مهرة بتحضيرها بجودة عالية وعناية فائقة.. وهذا كله على نغمات عازف كمان!.
ورغم سوداوية المشهد بشكل عام، ووحدة الألوان الباهتة والغالبة على صور المشاهد داخل الفيلم، لكونه في سجن ارتدى فيه المساجين ملابس متشابهة، وقبعوا داخل جدران لا نوافذ لها ولا أبواب بلا أي ألوان أو تفاصيل يمكن أن تشغل المشاهد عن الحوار الدائر بينهم، إلا أن العودة من وقت
لآخر للمطبخ الذي يُعد الوليمة الآسرة في الطابق «صفر» كانت فارقة جداً.
فبين بلادة الألوان الأسود والرمادي والقرمزي «لون الدم» الغالبة على مشاهد الفيلم، تظهر فجأة ألوان بهية باعثة للحياة للخُضرة والفواكه واللحوم وأشكال أطباق الحلويات، وملابس الطهاة الناصعة في مشهد المطبخ المشرق؛ وهي مفارقات لافتة جداً، قدم من خلالها صانعو الفيلم فكرة كبيرة، حول التنوع اللامتناهي الذي مَنّ الله علينا به في هذه الأرض.
في المطبخ، يجول رئيس الطهاة -الذي يتمتع بسلطة صارمة- بين الطهاة متأكداً من جودة الأطعمة بشمها وتذوقها ولمسها، حريصاً على نظافة كل شيء في المكان، حتى إنه في أحد المشاهد يكتشف شعرة في طبق حلوى، فيتقصى بين الطهاة باحثاً عن صاحبها بطريقة بوليسية، وبالفعل يجده ثم يطرده! غير أن هذه النعمة المليئة بالاعتناء والتقصي في صنع الطعام، تُقابل بجلف وعبث حيواني من مستقبليها من المساجين القانطين في الدرجات العليا، من الذين لا يتوارون عن العبث بالأطباق وما بها من طعام، فكل هذه النظافة والتنظيم سوف يختفي بمجرد وصول المنصة إلى سجناء الطابق الأول، الذين يرون أنهم الأحق بالأكل بشراهة وجشع، عابثِين في الأطباق بأيديهم وأرجلهم، غير متوانين عن البصق والدوس بأقدامهم على الطعام، قبل أن ينتقل إلى الطبقة الأدنى منهم.. وهذا فعلاً ما يصنعه الإنسان!