في كل مرة أكتبُ فيها عن الديون والعجز، أتوصل بالرسالة نفسها. حسنا، ليس بالرسالة نفسها تماماً، وإنما بعدد من الرسائل التي تشترك في الفكرة الرئيسية نفسها تقريبا. ومؤداها: «إذا اقترضتُ مالا من البنك، فإن البنك يتوقع مني أن أسدده. فلماذا لا يسري الأمر نفسه على الحكومة؟ لماذا نواصل الاقتراض ونحن مدينون ب31 تريليون دولار أصلا»؟
الواقع أن كل اقتصادي تقريبا سيجيب بأن إقامة تشبيه بين مالية الأسرة ومالية الحكومة أمر خاطئ ومضلل. ولكن يبدو لي أننا في كثير من الأحيان لا نكون واضحين بما فيه الكفاية بخصوص لماذا، ربما لأننا لا نقولها بشكل واضح بما فيه الكفاية. وعليه، إليك الاختلاف: خلافا للحكومات، فإن الأشخاص يكبرون ويشيخون ثم يموتون في نهاية المطاف.
لا أقصدُ بذلك أن الحكومات أبدية لا تموت. فكل شيء فانٍ، ولا شك في أنه يوما ما ستموت أميركا. ولكن الأفراد يواجهون دورة حياة متوقعة تقريبا تتضاءل فيها مداخيلهم في نهاية المطاف. 
ولهذا يطالب المقرضون المقترضين الأفراد بتسديد ديونهم بينما ما يزال لديهم دخل للقيام بذلك. 
وبالمقابل، تشهد عائدات الحكومات ارتفاعاً، جيلاً بعد جيل، نتيجة نمو الاقتصادات التي تقنِّنها والضرائب. وعليه، يتعين على الحكومات خدمة ديونها – دفع الفائدة وتسديد رأس المال حينما يحين تاريخ استحقاق السندات – ولكنها غير ملزَمة بالضرورة بتسديدها، إذ يمكنها إصدار سندات جديدة لدفع رأس مال السندات القديمة، بل ويمكنها حتى الاقتراض لدفع الفائدة طالما أن الديْن العام لا يرتفع بشكل أسرع من الإيرادات. 
بل إنه حينما تراكم الحكومات لسبب أو لآخر ديوناً كبيرة، فإنه من غير المألوف، تسديد تلك الديون. 

ولعل أشهر مثال، وإن كان مثالاً لا يعرفه الكثيرون، هو الديون التي راكمتها أميركا لخوض الحرب العالمية الثانية. فبنهاية تلك الحرب، بلغت الديون حوالي 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي – وهو ما يشبه مستوى الدين اليوم تقريبا. فكيف سدّدنا تلك الديون؟ 
الواقع أننا لم نفعل. فقد دخل الرئيس جون إف. كينيدي البيت الأبيض وحجم الديون الفدرالية في المستوى نفسه تقريبا الذي كان عليه يوم استسلام اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. 
فلماذا، إذن، لم تطغَ على انتخابات 1960 أسئلةٌ حول كيفية تسديد الدين الوطني؟ لأنه على الرغم من أن قيمة الديون بالدولار لم تنخفض، إلا أن النمو الاقتصادي والتضخم المتواضع كانا يعنيان أن نسبة الدين بالمقارنة مع الناتج المحلي الخام قد انخفضت بالنصف. 
مثل هذه الأشياء يمكن أن تحدث في بعض الأحيان للأُسر: فإذا اشترى أشخاص منزلاً وهم شباب ثم حققوا مكاسب مهمة في الدخل، فإن أقساط القرض العقاري قد تتقلص كنسبة مئوية من دخلهم حتى قبل الانتهاء من تسديد القرض العقاري. غير أنه عادٍ بالنسبة للحكومات، التي يمكنها توقع رؤية نمو إيراداتها من الضرائب عاما بعد عام بدون أن تلوح في الأفق مؤشرات على نهاية وشيكة. 
والواقع أن الحكومات غالبا ما تقترض لخوض الحروب، وعلى نطاق كبير جدا أحيانا. فبنهاية الحروب النابوليونية، مثلا، بلغت ديون الحكومة البريطانية، وفقا لتقديرات بنك بريطانيا، 184 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي – أي أنها كانت أعلى بكثير من ديون أميركا في نهاية الحرب العالمية الثانية. بالمناسبة، معظم تلك الديون كانت تتألف من «كونسولات» – وهي سندات دائمة تدفع فائدة للأبد ولكنها لا تتطلب تسديد أصل القرض. فكيف سدّدت بريطانيا ديون حروبها النابوليونية؟ الواقع أنها لم تفعل. 
كان الدين العام البريطاني في عام 1851، حينما افتتح الأمير ألبرت معرض قصر «كريستال بالاس» الذي يحتفي بالتقدم الصناعي والتكنولوجي، في المستوى نفسه تقريبا عندما فاز دوق ويلينغتون بمعركة «ووترلو» قبل 36 عاما من ذاك التاريخ. وعليه، فإن الفكرة التي مفادها أن علينا أن نتوقع من الحكومات تسديد ديونها ليست خاطئة فقط، وإنما قديمة أيضا. 
والواقع أن استعداد بريطانيا لترك ديونها النابوليونية على حالها هو أكثر لفتا للانتباه من استعداد أميركا لاحقا للتعايش مع ديون حربها العالمية الثانية. فعلى كل حال، فإن بريطانيا القرن 19 لم تعش تضخما مستمرا، وعلى الرغم من أنها حققت نموا اقتصاديا بوتيرة غير مسبوقة في التاريخ – وهو ما يفسّر إنشاء «قصر الزجاج» – إلا أن ذاك النمو كان مع ذلك بطيئا نوعا ما حسب المعايير اللاحقة. ونتيجة لذلك، كان الديْن بالمقارنة مع الدخل القومي ما يزال مرتفعا في عام 1851: 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. 
وعليه، لكل أولئك الذين يفترضون أن أي حكومة مسؤولة ستقوم على غرار شخص مسؤول بتسديد ديونها في أسرع وقت ممكن: أقول من جديد: إن الحكومات ليست مثل الأشخاص. وإذا كانت الموت والضرائب الشيئين الوحيدين الأكيدين في الحياة، فإن الموت ليس مشكلة بالنسبة للحكومات، والضرائب تمثِّل أحد الأصول –أصلا متناميا – وليست عبئا. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز» 
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2023/05/19/opinion/government-debt-pay-off.html