جسَّد إنشاء مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الذي يحتفل اليوم، الخميس الموافق 14 مارس 2024، بذكرى مرور ثلاثة عقود على إنشائه، طبيعة الفكر الاستشرافي الرصين للقيادة الرشيدة في دولة الإمارات، وإدراكها المبكر للدور الحيوي للعلم والمعرفة ومراكز الفكر المتخصصة في تقدُّم الأمم ونهضتها.

ويمثل الدعم القوي الذي تلقاه المركز من قيادتنا الرشيدة الركيزة الأساسية لكل ما حققه من إنجازات ونجاحات.

كان مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية هو الأول من نوعه في دولة الإمارات، ما فرض عليه مواجهة تحديات التأسيس، لكن استشعار المسؤولية الوطنية التي يتحملها المركز، كان دافعاً إلى شحذ الهمم وإذكاء الطاقات والقدرات، على النحو الذي جعله بعد سنوات قليلة من إنشائه أحد أهم مراكز الفكر عربياً ودولياً، وأصبحت فعالياته ودراساته وإصداراته محط الاهتمام المحلي الإقليمي والعالمي، ومحل متابعة المسؤولين السياسيين والأكاديميين والخبراء العالميين في مجالات نشاطه.

منذ إنشائه، كان المركز يضع المستقبل نصب عينيه، انطلاقاً من أن القادرين على استقراء ما يحمله من تطورات، وما يتشكل في أفقه من فرص وتحديات، سيكونون أقدر على وضع الاستراتيجيات والخطط المستقبلية وهم أكثر إدراكاً لطبيعة العالم وتغيراته المحتملة، والاستعداد لها على أساس من الوعي والمعرفة القائمة على منهجيات علمية دقيقة. وقد شهد المركز على امتداد عقوده الثلاثة تغيرات في بعض الأهداف والآليات، لكن «استشراف المستقبل» بقي العنوان الأهم خلال هذه المسيرة البحثية المتميزة.

وإلى جانب دعم عملية اتخاذ القرار في الدولة، التي اضطلع بها المركز منذ إنشائه في 14 مارس 1994، تتضمن أهداف المركز تعزيز وعي المجتمع بالقضايا الاستراتيجية، والتطوير المستمر لقواعد البيانات والمعلومات في المجالات التي يُعنى بها، وتعزيز المكانة الإقليمية والعالمية التي يحتلها من خلال مواصلة تقديم المنتجات الفكرية النوعية، والقادرة على استشراف المستقبل. كما يضع المركز ضمن أهم أولوياته تطوير القدرات والكوادر الوطنية في مجال البحث والتحليل الاستراتيجي، وتهيئة الظروف لإعداد خبراء من مواطني الدولة في مجالات اهتمامه، وهي المهمة التي يواصل أداءها باقتدار منذ تأسيسه.

إن الأرقام المجردة حول إنجازات المركز تكفي لتقديم صورة عن جهود هذا الصرح البحثي الوطني، غير أنه يجب أن يضاف إلى هذه الأرقام عامل النوعية، والتزام معايير صارمة للجودة، لتوضع في حجمها الحقيقي. ففضلاً عن المنتجات البحثية التي تدعم صناعة القرار، وهي تُعدُّ بعشرات الآلاف، وتتنوع بين الدراسات المتخصصة وتقديرات الموقف وأوراق السياسة والتقارير التحليلية، بلغت إصدارات المركز 1320 إصداراً، تتنوع بين إصدارات أصيلة وترجمات لعدد كبير من أهم الكتب العالمية التي تركت بصمات كبرى في مجالات السياسة والاقتصاد والإعلام والعلوم العسكرية والتخطيط الاستراتيجي والمعلوماتية والتقنية الحيوية والذكاء الاصطناعي، ومثَّلت إضافة نوعية كبرى للمكتبة العربية.

كذلك نظم المركز منذ إنشائه أكثر من 24 مؤتمراً سنوياً تناولت العديد من القضايا الاستراتيجية على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، و21 مؤتمراً للطاقة، و20 مؤتمراً متخصصاً، و11 مؤتمراً للتعليم. كما نظم 55 ندوة، و54 ورشة عمل، و539 محاضرة. واتسمت هذه الفعاليات جميعها، بالمواكبة الواعية لأبرز التطورات في العالم، واختيار المشاركين فيها من بين أبرز المسؤولين، ومن كبار المفكرين والمحللين والأكاديميين في المنطقة والعالم. وكان المركز منبراً تحدثت من خلاله مجموعة من الشخصيات الكبرى عربيّاً وعالميّاً، ومن بينها جورج بوش الابن، وميخائيل غورباتشوف، وأنجيلا ميركل، وتوني بلير، ونيكولا ساركوزي، ومهاتير محمد، وحامد كرزاي، وأنطونيو غوتيريش، وكولن باول، وخافيير سولانا، ورئيس الوزراء الأسترالي الأسبق جون هوارد، وعشرات غيرهم ممن كانت مكانة المركز العالمية دافعاً لهم إلى مخاطبة العالم من خلاله.

وإذ يدخل المركز عقداً رابعاً من العمل، بالسعي إلى مزيد من النجاح في أداء مهامه، فإنه يمثل في حقيقة الأمر نتاجاً لبيئة مواتية، توفرها دولة الإمارات للمؤسسات الوطنية وتمهد لها كل سبل الرقي والتطور، وهو ما تستجيب له هذه المؤسسات والعاملون فيها بمزيد من الجهد والعمل الصادق والجاد، ليكون ذلك تعبيراً حقيقيّاً عن الانتماء إلى هذا البلد الطيب، والولاء لقيادته الرشيدة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية