أحيت العديد من الهيئات الصحية الدولية والمنظمات الخيرية العاملة في مجال الصحة العالمية، يوم الجمعة الماضي، ذكرى اليوم العالمي لمرض السُّعَار أو داء الكَلب (World Rabies Day)، والذي يحل كل عام في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر. ويوافق هذا اليوم يوم وفاة العالم الفرنسي الشهير «لويس باستير»، والذي تمكن مع مجموعة من زملائه، من تطوير أول تطعيم فعال ضد هذا المرض اللعين. ويهدف اليوم العالمي للسُّعَار إلى زيادة الوعي العالمي بالتأثيرات الفادحة للمرض على البشر، وعلى الحيوانات أيضاً، مع توفير المعلومات الضرورية والنصائح الكفيلة بوقاية المجتمعات المعرضة بشكل أكبر لخطر هذا المرض، بالإضافة إلى توفير الدعم الضروري لمساندة الجهود الرامية للتحكم فيه.
وتأتي فعاليات هذه السنة، بعد مرور قرابة الثلاثة أعوام على إطلاق تجمع دولي غير مسبوق، مكون من أربع منظمات كبرى، هي منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، والمنظمة الدولية لصحة الحيوان، والتحالف الدولي لمكافحة مرض السعار، استراتيجيةً عالميةً هادفةً للقضاء التام على مرض السُّعَار، وبالتحديد المنقول للإنسان عن طريق الكلاب المريضة، بحلول عام 2030. وجاء إطلاق هذا التحالف الدولي على خلفية تقرير صدر في عام 2015 وأظهر أن السُّعَار يقتل سنوياً 59 ألف شخص حول العالم، أو ما يعادل 160 شخصاً كل يوم؛ أيْ وفاة كل تسع دقائق. كما أن السعار يكلف الاقتصاد العالمي 8.6 مليار دولار سنوياً (حوالي 32 مليار درهم)، نتيجة الوفيات المبكرة، وفقدان الإنتاجية والدخل للمرضى، بالإضافة إلى تكلفة التطعيمات الطبية، هذا على الرغم من كونه مرضاً يمكن الوقاية منه من خلال التطعيم.
كذلك أظهر التقرير المذكور، والصادر حينها عن «التحالف الدولي للتحكم في السُّعَار» (Global Alliance for Rabies Control)، أن 99 في المئة من جميع حالات الإصابات والوفيات البشرية الناتجة عن المرض، تقع العدوى فيها من خلال عضّات الكلاب الضالة أو حتى المستأنسة. وللأسف يشكل الأطفال 40 في المئة من ضحايا عضّات الكلاب. وتتحمل دول القارة الآسيوية 60 في المئة من عبء هذا المرض والوفيات الناتجة عنه، تليها في ذلك دول القارة الأفريقية والتي تتحمل هي الأخرى 36 في المئة، بينما تتحمل جميع قارات ودول العالم الباقية 4 بالمئة فقط من عبء مرض السعار. وتحتل الهند رأس قائمة الدول التي ينتشر بها المرض، حيث تقع 35 في المئة من جميع حالات الإصابة والوفيات على مستوى العالم في الهند وحدها.
والسعار مرض قديم قدم التاريخ نفسه، كتب عنه المؤرخون ووصفه الأطباء الأوائل منذ عصور غابرة. وفيما خلَّفته الحضارات القديمة، مثل حضارات الصين والهند وروما واليونان وحضارة ما بين النهرين، نجد وصفاً دقيقاً لأعراض مرض السعار كما عرفوه، وهي الأعراض التي كثيراً ما أثارت الرعب في قلوب العامة، وحيرت الأطباء لقرون طويلة.
وتنتقل العدوى بفيروس السعار للإنسان عن طريق عضة حيوان مسعور، يسافر بعدها الفيروس الموجود في لعاب الحيوان من مكان العضة إلى الأعصاب الخارجية، ثم إلى الجهاز العصبي المركزي، حيث يصيب المخ والحبل الشوكي بالتهاب شديد، تظهر أعراضه مبدئياً في شكل قلق وتوتر، وفقدان للقدرة على النوم وعلى التركيز، ثم التهيج والسلوك غير السوي، مع خروج كميات كبيرة من اللعاب، وذرف للدموع. وفي المراحل الأخيرة من المرض، يفقد المريض القدرة على الكلام وعلى البلع، مما يولد لديه رعباً شديداً من الماء ومن السوائل، ليلقى حتفه لاحقاً في فترة تتراوح بين يومين وعشرة أيام منذ بدء ظهور الأعراض.
ويعتبر استخدام التطعيم، من أفضل السبل -إن لم يكن السبيل الوحيد- للوقاية من الإصابة بالفيروس، ثم الوفاة من المرض. فقبل تطوير التطعيم عام 1885 كانت العدوى بفيروس السعار تعتبر حكماً شبه مؤكد بالموت. ومنذ ذلك التاريخ، شهد التطعيم ضد الفيروس تطورات واختراقات متعددة، ويعتمد شكله النهائي حالياً على تقنية حديثة تم تطويرها على أيدي علماء «معهد ويستر» بالولايات المتحدة، من خلال دمج بعض جينات فيروس السعار في التركيبة الوراثية للفيروس المستخدم سابقاً في التطعيم ضد الجدري. ويتميز هذا التطعيم بأنه آمن للبشر، بالإضافة إلى كونه قادراً على تحمل درجات الحرارة المرتفعة نسبياً، مع إمكانية منحه من خلال الفم دون الحاجة للحقن، مما يجعل من الممكن استخدامه في حملات التطعيم الهادفة لتحقيق الوقاية على نطاق واسع جغرافياً.