واجهت الهند عاماً صعباً لاسيما في علاقاتها المهمة مع دول جوارها. لكن مع اقتراب العام من نهايته، هناك أهمية خاصة لروابطها مع دولتين جارتين هما المالديف وسريلانكا. وقد انتهت سنوات اضطراب العلاقات الهندية مع جزر المالديف مع تحسنها مرة أخرى في ظل القيادة الجديدة في الأرخبيل، وأما في سريلانكا، فقد وصلت أزمة سياسية إلى نهايتها مع عودة مسؤول صديق للهند لتولي مقاليد الأمور.
والمالديف، المكونة من 1192 جزيرة ويبلغ تعداد سكانها 400 ألف نسمة، تحتل موقعاً استراتيجياً في المحيط الهندي، وكانت مركزاً للتسابق على النفوذ بين الصين والهند. وعلى رغم من أن المالديف اتبعت دائماً «سياسة الهند أولاً» التي حافظت عليها الحكومات المتعاقبة، إلا أن الصين دأبت على زيادة تواجدها في الدولة الجزرية، خصوصاً أثناء ولاية الرئيس السابق «عبدالله يمين». فقد عمّق علاقاته مع بكين على حساب نيودلهي. وتسبب ذلك في قدر كبير من التوتر بين الحكومة الهندية ونظيرتها في المالديف. وقد أنفقت الصين ملايين الدولارات لتحسين البنية التحتية في جزر المالديف. ومن بين المشاريع جسر الصداقة بين الصين والمالديف، بقيمة 200 مليون دولار، والذي يربط العاصمة «ماليه» بالمطار في جزيرة «هولهولي». وكانت فترة ولاية الرئيس «يمين» مثيرة للجدل، إذ سجن زعماء المعارضة وبعض القُضاة في محاولة لتعزيز سلطته.
ولعبت الهند دوراً محورياً في هذه التطورات، التي لم تنته لصالح حكومة «يمين». وأما الآن مع وجود الرئيس الجديد «إبراهيم صلح» في السلطة، فإن العلاقات الهندية مع المالديف تشهد تحسناً كبراً في ظل القيادة الجديدة. ومنذ توليه السلطة، أكد «صلح» أنه سيعيد المالديف إلى أطرها الوثيقة تقليدياً مع الهند، ويعيد النظر في القرارات التي اتخذها النظام السابق، بما في ذلك توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الصين.
وقد قدمت نيودلهي الآن بالفعل مساعدة مالية بقيمة 1.4 مليار دولار إلى الأرخبيل من أجل تطوير البنية التحتية، في محاولة لمواجهة الوجود الصيني هناك، وتخفيف ضغوط الديون الصينية المتزايدة. وقد أعلنت الهند عن هذا القرار أثناء زيارة رئيس المالديف «إبراهيم صلح» إلى نيودلهي في أول زيارة خارجية له. وتضمنت المساعدات قروضاً ميسرة وتبادل عملات وخط ائتمان. وخُصصت المساعدات للتعاون في مجالات تنموية متنوعة، تشمل إشراك القطاع الخاص في الإسكان والمياه وأنظمة الصرف في الجزر المترامية والرعاية الصحية والتعليم والسياحة.
وأعاد الرئيس «صلح»، الذي قلّص إلى حد ما اعتماد المالديف على الصين التي تدين لها بملايين الدولارات، التأكيد على التزام حكومته ب«سياسة الهند أولاً» والعمل عن كثب مع الهند، كما وافق على تعزيز التعاون البحري في منطقة المحيط الهندي، «من خلال دوريات مراقبة جوية وبحرية منسقة، وتبادل المعلومات». وفي حين لا يمكن للهند أن تغفل التواجد الصيني، إلا أن زيارة القائد الجديد إلى نيودلهي عمقت بالتأكيد العلاقات بين البلدين.
وبالمثل، تختتم الهند عام 2018 بأنباء سارة حول علاقاتها مع سريلانكا، إذ عاد «رانيل ويكرمسينج» ليشغل منصب رئيس الوزراء بعد أزمة سياسية استمرت أكثر من شهرين. وكان الرئيس السريلانكي «سيري سينا» قد أقال «ويكرمسينج» وعيّن مكانه الرئيس السابق «راجا باكسي» الموالي للصين. وتسببت الأزمة السياسية السريلانكية في شعور الهند بالقلق، ومن ثم، كانت إعادة تعيين «ويكرمسينج» الذي رفض التنحي، محل ترحيب من الحكومة الهندية.
وبالطبع، أقلق النزاع بين الرئيس «سيري سينا» ورئيس الوزراء «ويكرمسينج» الهند، التي حرصت في الماضي على أن يخوض الرجلان معاً الانتخابات العامة في عام 2015 وهزيمة الرئيس المالديفي آنذاك «راجا باكسا»، إذ أظهر ميلاً كبيراً تجاه الصين.
ولطالما اعتبرت نيودلهي «كولومبو» تابعة لنفوذها. وعلى رغم من ذلك، في ظل رئاسة «راجا باكسا» تعززت علاقات سريلانكا مع الصين بوتيرة سريعة. وشاركت بكين في مشروع ميناء ضخم، وأنفقت مبالغ طائلة على مشاريع بنية تحتية هناك. ومن ثم، كان من شأن تعيين «راجا باكسا» رئيساً للوزراء أن يعيد التوتر إلى العلاقات مع الهند. لكن مع عودة «ويكرمسينج» إلى منصبه، أثنت نيودلهي على النضج الذي أظهرته القوى السياسية في سريلانكا كافة وعلى مرونة الديمقراطية السريلانكية.
ومن الواضح أن علاقات الهند مع سريلانكا، كما هي الحال مع المالديف، ستعود إلى مسارها الطبيعي مرة أخرى. ولهذا السبب أكدت الهند ثقتها في أن العلاقات ستستمر في تحقيق تقدم. ورغم عدم قدرة الهند على تحجيم الصين في دول جنوب آسيا، فإن التطورات في هذه الدول ستشهد تحسناً كبيراً في العلاقات مع نيودلهي، على الأقل بالنسبة لدولتين جارتين (المالديف سريلانكا) وكانتا على وشك الميل تجاه بكين.
*مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي