أضحى إغلاق الحكومة الفيدرالية الذي حثّ عليه الرئيس دونالد ترامب الآن أطول أزمة إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة. ولم يحصل نحو 800 ألف موظف فيدرالي على رواتبهم في نهاية الأسبوع الماضي، وهو وضع صعب أدى إلى اصطفاف كثير من الموظفين الحكوميين من أجل الحصول على تبرعات في بنوك الطعام، وأضر عدداً لا يحصى من المقاولين وأصحاب المشاريع الصغيرة الذين ترتبط أرزاقهم بعمل الحكومة الاتحادية. ونتيجة الإغلاق، تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الأميركي تكبد ما يناهز 3.6 مليار دولار جراء خسارة الإنتاج.
والسبب وراء ذلك كله واضح: فترامب يرفض تمرير مشروع قانون الميزانية دون تخصيص أزيد من خمسة مليارات دولار لإنشاء الجدار على الحدود الجنوبية الذي أصبح رمزاً لرئاسته، بغض النظر عن تداول المعلومات المغلوطة لحشد التأييد من أجله أو التكلفة السياسية التي يمكن أن يفرضها الإغلاق على الرئيس وحزبه. وبحسب استطلاع حديث للرأي، رغم تزايد التأييد لإنشاء الجدار، فإن غالبية الأميركيين يعارضون إنشاءه ويلومون ترامب على إغلاق الحكومة.
وفي ظل تصميم ترامب على الوفاء بوعده الانتخابي الأساسي وبناء جدار حدودي رغم مقاومة الديمقراطيين بشدة لما يعتبرونه حلاً غير أخلاقي وغير فعّال للهجرة غير القانونية، ليس ثمة نهاية في الأفق لهذا المأزق.
ومع استمرار الإغلاق الحكومي، قد يصمم الرئيس ترامب وبعض حلفائه على إعلان حالة الطوارئ الوطنية لتحجيم الكونجرس وتمويل الجدار. غير أن هذا التحرك سيكون «خطيراً من الناحية القانونية» حتى من وجهة نظر بعض الجمهوريين. أما بالنسبة للرئيس وقاعدة مؤيديه القوميين والمتحدثين في وسائل الإعلام اليمينية الذين يحافظون على حالة من التحريض شبه الدائم، فالجدار هو معركة سياسية لا يمكن لترامب تحمل خسارتها!
وقد بدأ إصرار الرئيس على بناء «الجدار» كنوع من «الرمزية»، شجّعه عليها المعلنون كوسيلة لتركيز انتباه الناخبين اليمينيين (ومعهم ترامب نفسه) على برنامجه لمواجهة الهجرة غير القانونية.
وقد زعمت «ويندي براون»، أستاذة العلوم السياسية في جامعة «كاليفورنيا»، أن بناء الجدار كان صيحة إنذار «قومية متطرفة» فيما كانت شريحة كبيرة من الناخبين الأميركيين يواجهون ارتفاعاً في تكاليف الإسكان والرعاية الصحية، واتساع هوّة التفاوت الاجتماعي ونظام سياسي يئن تحت وطأة الانقسامات المتزايدة.
وأوضحت «براون»، مؤلفة كتاب «الدول المحاطة بالجدران.. وتلاشي السيادة»، أن فكرة «جدار كبير وجميل» تعكس قلقاً عميقاً، وأن «الجدران هي دلالات على شعوب تتأسف على ضياع قوميتها»، وتكون مرغوبة لأنها ترمز لقدرة هذه الشعوب على استعادة زمام الأمور.
ويساور منتقدو ترامب القلق من أن استئساده بشأن القضايا الأمنية يشي بأوقات صعبة مقبلة. وحسبما أوضح أستاذا العلوم السياسية «ستيفن ليفتسكي» و«دانيل زيبلات» في مقال لهما، فإنه «على النقيض من الرئيسين كلينتون وبوش، اللذين أقرّا بالهزيمة عندما أضحى واضحاً أن مبادراتهما تفتقر للتأييد التشريعي، رفض ترامب قبول إخفاق مشروع جداره الحدودي». وحذّرا من أن ترامب يمكن أن يقتفي أثر زعماء آخرين استغلوا في بعض الأوقات أزمات مصطنعة من أجل إخراج بلادهم الديمقراطية عن مسارها وتعزيز سلطتهم.
وذكر الأستاذان أن ترامب استخدم في خطابه المتلفز في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، كلمة «أزمة» ست مرات في 8 دقائق، وهذه هي الطريقة التي يرد بها أصحاب الميول الاستبدادية على المعارضة التشريعية.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»